ينبغي على الداعية ألا ييأس من الناس، بل عليه أن يصبر ويصابر ويسأل لهم في السجود، وفإنه سوف يفرح بهم غداً، ولا يستعجل عليهم، فإن رسولنا عليه الصلاة والسلام مكث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى لا إله إلا الله، فلم ييأس على كثرة الإيذاء والسب والشتم، وعلى كثرة ما تعرض له من الصعوبات، التي -والله العظيم- لو جمعت المصائب التي يتعرض لها الدعاة والعلماء، فإنها لا تعادل ذرة أمام المصاعب التي تعرَّض لها النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك صبر وحاسب نفسه، وحبس أعصابه -عليه الصلاة والسلام- ولم يغضب حتى يأتيه ملك الجبال، فيقول: أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: لا، إني أسأل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً، فأخرج الله من أصلاب الكفرة القادة: خالد بن الوليد من صلب الوليد بن المغيرة، ومن صلب أبي جهل عكرمة بن أبي جهل.
فما أحسن الطريقة! وما أحسن ألاَّ ييأس الداعية! وأن يعلم أن العاصي قد يتحول بعد المعاصي إلى إمام مسجد أو خطيبٍ أو عالمٍ.
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
تريد مهذباً لا عيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان
هذا لا يصلح على منهج الكتاب ولا على منهج السنة.
ومما ينبغي على الداعية ألا يقنط الناس من رحمة الله تعالى، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، وهو الرحمن الرحيم، الذي يقول في الحديث القدسي الذي رواه أحمد والترمذي بسندٍ صحيح: {يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} فلا تقنط شارب الخمر من توبته إلى الله، ولا تقنط الزاني ولا القاتل ولا السارق، بل حببهم إلى الهداية، وقل: هناك ربٌ رحيم، يقول في محكم التنزيل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] قال علي رضي الله عنه وأرضاه: [[الحكيم من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يورطهم في معصية الله]].