ومما ينبغي على الداعية: ألا يعيش المثاليات، وليعلم أن الناس مقصرون وأنه مقصر، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:21] فهو الكامل وحده، والنقص لنا.
ذهب الله بالكمال وأبقى كل نقصٍ لذلك الإنسان
فما دام أن الإنسان خلق من نقص؛ فعلى الداعية أن يتعامل مع المجتمع، ومع الشبيبة، ومع النساء، ومع العامة على أنهم من مصدر نقص، قال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم:32] فما دام نشأتم من الطين والتراب، فأنتم ناقصون لا محالة، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الناس على أنهم ناقصون ومقصرون، يرى المقصر منهم فيعينه ويساعده ويشجعه، ويأخذ به إلى الطريق، والداعية الذي يعيش المثاليات لا يصلح للناس، فإنه يتصور في الخيال أن الناس ملائكة إلا أنهم يأكلون ويشربون، والخلاف بينهم وبين الملائكة الأكل والشرب، وهذا خطأ، خاصةً في مثل القرن الخامس عشر -الهجري- الذي لا يوجد بيننا فيه محمد عليه الصلاة والسلام، ولا الصحابة الأخيار وقلّ أهل العلم، وكثرت الشبهات، وانحدرت علينا البدع من كل مكان، وأغرقنا بالشهوات، وحاربتنا وسائل مدروسة درست في مجالس عالمية، وراءها الصهيونية العالمية وأذنابها، فحق على العالم والداعية أن يتعامل مع هذا الجيل وهو يتصور أنه سوف يخطئ، وأن الإنسان سوف يحيد عن الطريق، فلا يعيش المثاليات، ولا يغضب إذا سمع شاباً طرح عليه مشكلة، أو أنه وقع في معصية.
فقد {أُتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم برجلٍ شرب الخمر -وهو من الصحابة- أكثر من مرة، فلما أتي به أقيم عليه الحد، قال بعض الصحابة: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به في الخمر، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال للرجل: لا تقل ذلك، لا تعين الشيطان عليه، والذي نفسي بيده، ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله} فلا إله إلا الله ما أحسن الحكمة! ولا إله إلا الله ما أعظم التوجيه! خمسون مرة وهو يشرب الخمر وبعدها يحب الله ورسوله.
ولذلك ينبغي ألا نيأس من الناس، مهما بدرت منهم المعاصي والمخالفات والأخطاء، بل لا بد أن نعتبر أنهم رصيد محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم أمل هذه الأمة، وأنهم في يومٍ من الأيام سوف تفتح لهم أبواب التوبة، وسوف تراهم صادقين، مخلصين، تائبين، متوضئين.