وأما خديجة، زوجة محمد عليه الصلاة السلام فهي أول امرأة في عصر تاريخ الدعوة سكبت عرقها ودمها ودموعها لنصرة هذا الإنسان العظيم، الذي قاد سفينة الحياة إلى شاطئ النجاة، أتى من الغار صلى الله عليه وسلم في أول لقاء حارٍّ مع جبريل، أتاه جبريل فغَتَّه ثلاث مرات، لا يدري محمد صلى الله عليه وسلم ما هذا الحدث، فقد عاش في أمة جاهلية أمية، فغَتَّه وقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] فأتى يولول ويجلجل ويرتعد، قالت: {لا عليك! كلا والله لا يخزيك الله، إنك تصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف}.
وهذه المرأة عصامية، فإذا وجد في البيت من أمثالها تشد من عضد زوجها، إذا أصيب بنكبة قامت معه وقالت: كلا.
الحياة سهلة.
ويصيبه حادث سيارة فتقول: الأمر سهل ما دام أن الله أبقى علينا ديننا، فلا رعى الله السيارات.
وينهدمُ البيت تقول: الأمر سهل.
ويرسب الأطفال فتقول: قضاء وقدر، معنا الإسلام، معنا الصلوات الخمس.
أما امرأة شاكية، يأتي جرح ويأتي رسوب ويأتي شيء فتولول وتجلجل وتبكي وتجمع المصائب، وتأتي بالأحداث والفتن والمشاكل، فليست على طراز خديجة رضي الله عنها وأرضاها.
هذه امرأة عصامية في تاريخ الإسلام، جعلها الله عز وجل من أهل الجنة، قال عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: {يا خديجة! إن جبريل أتاني يقرئك من الله السلام، ويبشرك ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب} من قصب: من جوهر ولؤلؤ، يُرى ظاهره من باطنه، وباطنه من ظاهره، لا صخب فيه ولا نصب: لا صوت ولا صياح ولا مشكلة، فرضي الله عنها وأرضاها، ما أحسنها! وما أروعها في تاريخ الدعوة!
ولها قصة ثانية:
قال صلى الله عليه وسلم: {يا خديجة! أرى رجلاً يدخل علي البيت! قالت: تعال، فجعلته عن يمينها صلى الله عليه وسلم قالت: أتراه؟
قال: نعم.
فجعلته عن يسارها قالت: أتراه؟
قال: نعم.
فكشفت عن شيء من رأسها فقالت: أتراه؟
قال: لا.
قالت: هذا مَلَك وليس بشيطان} لأن الملك لا ينظر إلى المرأة.
قالوا: كانت من أعقل النساء في تاريخ الدعوة، كانت تاجرة دفعت مالها لمحمد عليه الصلاة والسلام ليقدم أعظم رسالة في تاريخ الإنسان، ولِتَعْبُرَ رسالتُه المحيطات، ويكون لـ خديجة أجر هذه الدعوة المباركة التي جلسنا نحن وإياكم على مائدتها في هذا الدرس.
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدمِ
لما دعا الله داعينا بطاعته بأكرم الرسْل كنا أكرم الأممِ