الموقف الثاني: مع الأعرابي الذي بال في المسجد

نموذج آخر -وهذا الحديث في الصحيحين - يجلس الرسول عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في المسجد، فيأتي أعرابي فتضيق به الدنيا بما رحبت في مسألة البول، فيبول في مسجده عليه الصلاة والسلام، فقد كان مسجده شماسياً مفروشاً بالبطحاء، فقام الصحابة والأعرابي يبول يريدون أن يبطحوه أرضاً.

كل بطاح من الناس له يوم بطوح

والبطح معروف عند بعض الناس، وقد يستخدمه في الدعوة فلا ينتج شيئاً، وبعضهم قد يستخدم الضرب، أو السب والتجريح، فلا يكسب إلا صفراً بيده، تراه يجهد عشر سنوات فما كسب مخلوقاً، ولا رد عاصياً إلى الطاعة، ولا كسب شاباً في حياته، عنده كلمات محفوظة لو وضعت على صخر لفلقه، أو على شعر لحلقه!! فقام الصحابة لضربه، قال صلى الله عليه وسلم: {لا تزرموه -اتركوه- فجلسوا، فتركه صلى الله عليه وسلم حتى انتهى، فقال: علي بذنوب من ماء -المسألة سهلة، ولكن المقاصد أعظم- فأتوا بذنوب، قال: ضعوه على بوله، فصبوا الماء على البول وقال: عليَّ بالرجل فأتى ووضع يده عليه -هذه يد الرتابة والرحمة، يد الأنس، واللطف، يد وضعها هنا لِدرسٍ معناه: تسكين صاحب الخطأ، ما كأنه أخطأ- فقال له: إن هذه المساجد لا يصلح شيء منها للأذى والقذر وإنما هي للصلاة ولذكر الله وللتسبيح والتكبير والتهليل} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وقام الرجل، وقال بعض العلماء في الرواية: صلى قبل أن يفعل ما فعل، فقال في آخر التحيات: "اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً" وسلم عليه الصلاة والسلام وهو يدري من الرجل، ولكن أليس من الحكمة أن يعمي السؤال؟ كان بإمكانه أن يقول: "لماذا قلت ما قلت؟ " لكنه قال: {من القائل آنفاً: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً؟ فقال: أنا يا رسول الله! قال: لقد حجرت واسعاً} والمعنى: لقد ضيقت رحمة الله التي وسعت كل شيء: {ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] وانتهى الجدل والمشكلة التي وقعت في المسجد بفوائد:

أولاً: استفدنا حكم النجاسة، فإنها إذا وقعت على الأرض، أو على التراب فتطهر بإراقة الماء عليها.

ثانياً: أن المساجد إنما هي للذكر ولتلاوة القرآن وللصلاة.

ثالثاً: وهو المقصد العظيم: كيف نتعامل مع المخالفين، ومع العصاة، ومع الذين قللوا من الأدب، أو لم يعرفوا الأدب الحق؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015