أيها الأحبة! إن أمة الإسلام يوم أن أصبحت تخاف الموت أصابها ما أصابها من الذُل، وقد كنا فيما مضى يقول قائلنا:
لنا فرسٌ لم تنجب الخيل مثلها فتحنا بها الدنيا يقال لها الردى
هذه مؤهلات الأمة التي جعلت الأعداء والحضارات التي سادت مئات السنين وقروناً متوالية تتهاوى أمام سيوفهم القصيرة المثلمة، وخيلهم الهزيلة، وثيابهم البالية المرقعة، لما أرسل قائد المسلمين رسوله يفاوض رستم، قال: ماذا تريدون منا؟ قال: ندعوكم إلى دين الله جل وعلا، وترك عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
قال: فإن لم نجبكم؟ قال: تعطون الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون.
قال: فإن لم نفعل؟ قال: فقد جئناكم بقومٍ يحبون الموت كما تحبون الحياة، هذا الأمر الذي كان يروع أعداء المسلمين من الكافرين، هذا الأمر الذي روع الكفار جميعاً عربهم وعجمهم، بعض الناس يتوقع أننا حينما نتكلم عن الكفر نتكلم عن العجم.
الكفر ملة واحدة، واللغة لا تغير في الكفر شيئاً، فإن كان كُفراً بعثياً أو غيره فكله كفر، والكفر ملةٌ واحدة عربه وعجمه.
فيا أيها الأحبة! لما ضاعت من نفوس المسلمين هذه المعاني العظيمة أصبح الأعداء يفاوضون عليهم بحبهم بالدنيا، بملذات الدنيا ونعيمها، ومن أجل هذا أصاب الأمة ما أصابها من الذلة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! كان الصحابة يعدون الكلام في الموت مسألة انتهى أوانها، يقول علي بن أبي طالب:
أي يومي من الموت أفر يوم لا قُدِّر أم يوم قُدِر
يوم لا قُدِّر لا أرهبه ومن المقدور لا يغني الحذر
فما الذي يجعل الأمة بهذه الذلة أو هذا الخوف؟! نخاف من الموت في يومٍ ما قُدر فيه!! لن يأتي، ونخاف من الموت في يومٍ قدر فيه!! قدر الله نافذ: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49].