مؤهلات الشهيد عند ربه

والدماء شأنها في قضايا المسلمين عجيبة!! ما رأينا قضية للمسلمين نضجت وأثمرت وأينعت، وقطف المجتنون ثمارها إلا يوم سقيت بالدماء، ورحم الله سيد قطب يوم أن قال: إن كلماتنا وعباراتنا تبقى جوفاء هامدةً لا حراك لها حتى نسقيها من دمائنا.

ووالله إننا لنتمنى أن يبسط الله لنا في الذرية والولد، ونسأل الله ألا يحرمنا هذا الأجر أيضاً لكي نبذل من أولادنا مجاهدين يموتون في سبيل الله، ولعل الله بمنه وكرمه أن يختارنا من الشهداء في سبيله، لماذا نخشى الموت في سبيل الله والموت ساعةٌ لا تتقدم أو تتأخر؟ لو قلنا لأحدنا: سيموت فلان بن فلان غداً الساعة العاشرة صباحاً، فما الفرق بين أن يموت على السرير الأبيض تحت أجهزة الإنعاش، ومساعدة التنفس، وضربات القلب، وأن يموت في لحظة غبار المعركة فيها طائر، وصليل السيوف فيها ملتهب، وأصوات القنابل والمدافع فيها يتأجج؟ تلك الميتة التي على السرير الأبيض ميتة طويلة، وأحوال ضعفٍ وهوان.

وأما ميتة الشهادة في سبيل الله في المعركة فتطير الروح إلى باريها، تبقى معلقةً في أجواف طير خُضرٍ في قناديل الجنة تأوي من غُصنٍ إلى غصن، ومن فننٍ إلى فنن، فمن ذا يا عباد الله يحرم نفسه هذه الميتة؟!

إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ كطعم الموت في أمرٍ عظيم

يقول قطري بن الفجاءة وهو من شعراء الخوارج وهم على باطلٍ عجيب يقول يخاطب نفسه:

أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي

فإنك لو سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لك لم تُطاعي

فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع

ويقول عبد الله بن رواحة:

لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغٍ تقذف الزبدا

وضربة بيدي حران مجهزةٍ بحربةٍ تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا

يسأل ربه أن تكون ميتةً يتفنن فيها، يتفنن في نوع الميتة، قال:

لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغٍ تقذف الزبدا

أي: يقول: أريد الدم أن يفور من بدني فوراناً عجيباً.

وضربة بيدي حران؛ برجلٍ مجهز، برجلٍ يريد أن يشفي غليله، بيدي حران مجهزةٍ؛ بحربةٍ حادةٍ، مسنونةٍ نافذةٍ من أجل أن تُخرج الأحشاء والكبدا، حتى يقول: يا رب! هذه شهادتي، إذا أراد الناس منصباً أو منزلاً أو وظيفة فماذا يقولون؟ يقولون: مؤهلاتنا ماجستير، مؤهلاتنا دكتوراه، فيقال: ادخل، أنت عندك دكتوراه تفضل، أنت عندك ماجستير تفضل، أنت عندك بكالوريوس أو ثانوية عامة تفضل، بحسب مؤهلك تدخل، لكن مؤهلات المجاهدين لدخول الجنة يقول: يا رب! هذه مؤهلاتي، يأتي يوم القيامة بمؤهله الدم والجرح، اللون لون دم والريح ريح مسك، هذه مؤهلات المجاهدين التي بها يُؤمّنون من فتان القبر، ويلبسون حلل الوقار والمنزلة العظيمة، ويُشفعون في سبعين من أهل بيتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015