نهاية الرحلة وبداية النهاية

أيها الأحبة في الله! وبعد رحلة طويلة في هذه الدنيا من الصغر والنمو والترعرع والشباب ومصائب الزمن وما يلقى الإنسان في ذلك، تأتي نهاية الرحلة، وخاتمة المطاف، إن لكل بداية نهاية؛ ولكل نهاية غاية.

من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، تأتي الآتية، وتأتي القيامة الصغرى ألا وهي: الموت؛ وهذه القيامة أول ما تبدؤك في أنامل رجليك، تأتي ملائكة الموت فتجذب هذه الروح جذباً بعد أن أقفلت الأرصدة، وأعلن الحساب الختامي، ما بقي ريالٌ إلا كسبته، ولا درهمٌ إلا أنفقته، ولا شربة إلا شربتها، ولا أكلة إلا أكلتها، ثم يأتي الوداع والختام: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:38] ولكل بداية نهاية، وهذه بداية النهاية، تأتي الملائكة فتجذب الروح من أنامل قدميك، ثم تأتي إلى ساقيك فتبرد الرجلان، ثم ترتفع إلى فخذيك وتبرد الساقان، ثم تنزع من جوفك نزعاً فتحشرج في صدرك حشرجةً عظيمة.

ثم بعد ذلك تصل إلى مخارجها، ثم تخرج مع أنفك ويقال: فلانٌ مات حتف أنفه؛ لأن الروح تخرج مع الأنف، رحلةٌ شاقةٌ طويلة في بداية النهاية، في نزع الروح وآلام السكرات، تعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرات الموت).

فما دامت هذه بداية النهاية، وفيها ما فيها من الآلام والمصائب والمشاق إلا أن الله جل وعلا قد جعل لطائفةٍ من عباده اختصاراً سهلاً، وإيجازاً لذيذاً يختصر رحلة الحياة كلها، ويختصر عملية الموت بأكملها ألا وهو الجهاد في سبيل الله في حال الشهادة التي تختصر عملية الموت، وخروج الروح من أطراف القدمين إلى أطراف الأنف بقرصةٍ، لا يجد الشهيد من آلام الموت إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة، لأنه مات شهيداً في سبيل الله فأعانه الله وثبته ويسر ميتته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015