أيها الأحبة! إذا تقرر ذلك فلا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه الاعتقاد في الأموات هو ما زينه الشيطان للناس رويداً رويداً تدريجياً، من رفع القبور، ثم وضع الستر عليها، ثم تجصيصها، ثم تزيينها بأبلغ زينة وتحسينها بأكمل جمال فإن الجاهل إذا دخل مقبرة ورأى قبراً فيه ألواح الرخام أو نقش عليها ما نقش، ثم جاء جيل ووضع عليها شيئاً من الستر أو زين القبر بطريقة معينة، ثم لو رأى الجاهل قبة جعلت على القبر، ثم نظر إلى السرج المتلألئة والمجامر الساطعة التي عبق وفاح منها الطيب وهو طيب النجاسة في مواقع الشرك أو ذرائع الشرك والله، ما ظنك بجاهل يرى هذا كله لا شك ولا ريب أن قلبه يمتلئ تعظيماً لهذا القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من منزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرعه الشيطان في نفسه ويغرسه في قلبه من العطاء بالفاسدة التي هي أعظم وسيلة له، وأشد الوسائل إلى الضلال حتى يتزلزل عن الإسلام رويداً رويداً، ثم لا يلبث أن يطلب من صاحب القبر أموراً لا يقدر عليها إلا الله، ثم يكون في عداد المشركين وهو لا يعلم، وصدق الله العظيم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] وكما قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103].
أيها الأحبة! إن أولئك الذين يترددون على القبور ويزورون هذه الأضرحة ويتبركون بها أو يعتقدون ببركة أصحابها يقع ويحصل الشرك لأحدهم لأول وهلة رأى فيها ذلك القبر على صورة من الجمال والتزيين، بل عند أول زيارة إذ أنه يخطر بباله أن صاحب هذا القبر ترجى منه فوائد دنيوية أو فوائد أخروية، ثم بعد ذلك يكمل هذا الأمر ويبهرج هذا الباطل ويزخرف هذا الخداع والشرك سدنة الأضرحة وخدام القبور الذين يأتون ويخدعون العامة فيقولون: إن صاحب القبر قد جرت له من الكرامة ما كان لفلان الذي كان أعمى أو كان كفيفاً لا يبصر، فجاء ثم نحر قربانه عند القبر ثم سأل مخلصاً صاحب القبر فما خرج من هذا الضريح إلا وقد رد عليه بصره، ويكذبون ويفترون الأكاذيب والأباطيل وما أكثر ما سمع هذا عند كثير من الجهلة بل وفي كثير من بلدان المسلمين، إنا لله وإنا إليه راجعون.
واعلموا -أيها الأحبة- أن هذه طريقة خبيثة بل حيل ومكر وتقليب من أجل تحقيق أمرين: الأمر الأول المكابرة والعناد والإمعان في تحقيق الكفر والشرك، الأمر الثاني: خداع العوام والجهلة.