أيها الأحبة في الله! إن طمس التماثيل، وتسوية القبور، كل ذلك إما أن يكون لدفع حصول الشرك، أو لقطع ذرائع الشرك؛ لأن هذه الأصنام التي تصور في تقاطعات الطرق وفي الممرات وفي أماكن شتى، والتي كثيراً ما ترونها ونراها في كثير من البلدان التي عصت الله ورسوله، في البلدان التي استوحت فنونها وثقافتها من عقائدها الوثنية فزين لهم الشيطان نحت الأصنام ونصب التماثيل في الممرات والتقاطعات، كل ذلك راجع إلى لوثة الشرك والوثنية، ولا حول ولا قوة إلا بالله! بل والله إن الموحد الذي يرى ويدرك صفاء التوحيد في قلبه من إذا رأى وثناً انقبضت نفسه وتغير وجهه وتكدر حاله وأصابه من الرعب وأصابه من الخوف داخل نفسه ما يمقت به هذه الصورة المنحوتة؛ كل ذلك لأن فيها شركاً صراحاً، أو فيها ما ينافي كمال التوحيد ويكون ذريعة إلى الشرك.
أيها الأحبة! بهذه النصوص التي سمعتموها أعظم دلالة على أن تسوية كل قبر مشرف بحيث إذا ارتفع القبر عن الحد المشروع فإن تسويته واجبة متحتمة، ومن إشراف القبور وارتفاعها أن يرفع سمكها أو يجعل عليها القباب أو المساجد فإن ذلك من المنهي عنه بلا شك ولا شبهة، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعثه وانتدبه وأرسله لهذه المهمة وقال: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تدع تمثالاً إلا طمسته).
ثم إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أيضاً عمل بما أوصاه به النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل أبا الهياج الأسدي في أيام خلافة علي قال: [ألا أبعثك على ما بعثني عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم؟] فكان الجواب الحالي: أن نعم، وأتشرف بهذه المهمة، فأرسله وندبه إلى هذا.
أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه النسائي وابن حبان من حديث جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، أو يبنى عليه، أو يوطأ) وزاد هؤلاء المخرجون لهذا الحديث عن مسلم زادوا: (أو يكتب عليه) قال الحاكم: النهي عن الكتابة على شرط مسلم، وهي صحيحة غريبة.
ويدخل في هذا أيضاً البناء على جنبات القبر.
أيها الأحبة! إني يوم أن أسوق هذا بحمد الله ما رأيت في بلادنا هذه قبراً يعبد، وما رأيت ضريحاً يطاف به، ولكني أخشى أن يتساهل الناس بأمر المقابر، بل وربما تناقل البعض أن بعض العامة جهلاً وبعض المنحرفة فساداً ربما بدءوا رويداً رويداً بجعل ألواح من الرخام فينقشون عليها اسم الميت وتاريخ وفاته وشيئاً من أمره، وربما جاء بعد ذلك جيل يكبرون لوحة الرخام فينقشون عليها شيئاً من مناقبه ومآثره، وربما جاء بعد ذلك من جاء ليكتب حتى يصبح الأمر طريقاً وذريعة إلى البناء المحرم والمنهي عنه.
وإن هذا -أيها الأحبة- من أعظم الأمور؛ لأن من شرب الخمر أو زنى وهو يعلم أنه في معصية يعلم أنه في مخالفة لأمر الله وفي عصيان لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يلبث أن يعود، لكن الذي ينقش على الرخام عند القبور ويزينها ويهتم بها ربما تعلق واقتنع واستحسن فعله هذا، وربما تعبد الله بهذا، ولأجل ذلك فإن من واجبنا أن نهتم بهذه المسألة وألا نتساهل بها، بل من واجب الشباب؛ ومن واجب الأغيار؛ ومن واجب العلماء؛ ومن واجب طلبة العلم، أن يبعثوا الثقات والمخلصين بين الفينة والفينة ليروا أحوال المقابر فما رأوا فيها من قبر منقوش عليه أزالوه، وما رأوا فيها من قبر مشرف إلا وسووه، وما رأوا فيها بدعة أو بلية من أصناف هذا الأمر إلا بلغوا بها وكان لهم ولهم بإذن الله سلطان على إزالتها، في أي بقعة وفي أي مكان.
وإني أردد وأقول: لعل من أعظم أسباب سلامة هذه البقعة سلامتها من الشرك سلامتها من الوثنية سلامتها من شرك القبور سلامتها من شرك الأضرحة سلامتها من شرك الأصنام، فإن تساهلنا في ذلك والله ثم والله لا فرق بيننا وبين سائر الأمم التي حل بها الخسف، وحل بها البلاء والعقوبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.