أحاديث نبوية تحذر من تعظيم القبور

وقال قوم من السلف: إن هؤلاء كانوا قوماً صالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وذكرت أم سلمة للنبي ما رأت في الكنيسة من الصور، فقال صلى الله عليه وسلم: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله) وأخرج ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:19] قال: اللات كان يلت السويق للحاج فعكفوا على قبره.

وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نزل الموت برسول الله صلى الله عليه وسلم وحل الأجل ووصلت لحظة الفراق بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل أو طفق يطرح خميصة على وجهه، فإذا اغتم كشفها فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا.

انظروا أيها الأحبة: أي نصيحة وأي وصية تحتاجها الأمة ونبيها وإمامها وقائدها يعالج سكرات الموت وفي ساعة الأجل وفي ساعة الفراق لم ينبهم إلى الاقتصاد ولم يتكلم في تلك الساعة عن أمر من الأمور إلا عن أهم الأمور وهي مسألة التوحيد ومسألة العقيدة وتحقيق العبودية والتوجه إلى الله، فقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا، أي: حتى لا يجعل قبره صلى الله عليه وسلم مسجداً فيعبده المسلمون، أو يطوفوا به، أو يتوسلوا به، أو يتعلقوا به، أو يتعلقوا بجاهه، أو يرجوا بركة ضريح القبر ومكانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعبد العباد لربه، ولأجل ذلك وجه الأمة إلى ما يحقق هذه العبودية.

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مثل ذلك، وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال الراوي أو المعلق: ولولا ذلك لأبرز قبره صلى الله عليه وسلم، ولكنه خشي أن يكون مسجداً.

فأين هذا من طاغوت الصوفية ومنحرف الضلالة ذلك الذي يزعم أن بقعة قبر النبي أفضل من بقعة الكعبة، وذلك الذي يزعم أن ليلة المولد أفضل من ليلة القدر، وذلك الذي يزعم أن التبرك بقبر النبي والدعاء والتمسح والتوسل عنده من مظنات الإجابة، فلا حول ولا قوة إلا بالله! أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد)، وأخرج أحمد وأهل السنن من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)، وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج وغيره قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع تمثالاً ألا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) وفي صحيح مسلم عن ثمامة نحو ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015