أولها: تفلت اللسان والعجلة بالقبول والرد، وقد نسي ذلك المتسرع قول الله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] ونسي قول الله: {وَلا تَقْفُ} أي: لا تتبع ولا تتبع {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] وفي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وإسناده صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، كان مع النبي صلى الله عليه وسلم -إلى أن قال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقلت: بلى يا نبي الله! فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا.
فقلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم أو مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم) ولأجل ذا كان حفظ اللسان من ضمان دخول الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة).
عباد الله إن فقدان الورع في القول وإطلاق اللسان والبلية بالعجلة سبب الهلاك ومظنة العطب، والعاقل يدرك أن ما قيل لا يرد ولا يستدرك فيكف وقد قيل؟ وأما ما لم يقله المرء، فهو مخير بين إمساكه وإطلاقه.
فكم ندمت على ما كنت قلت به وما ندمت على ما لم أكن أقل
يقول الإمام الجهبذ العلامة ابن قيم الجوزية مشيراً إلى فائدة عجيبة قال فيها: من العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر والنظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى يرى الرجل قد يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يزل بها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم لسانه يفري أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي بما يقول! وتزداد الخطورة -أيها الأحبة- ويعظم الذنب إذا كان الكلام والتطاول والقدح والتناول في أعراض العلماء وأعراض الدعاة، فهم سادة الأمة وقادتها ونورها، ولا خير في قوم لا يعرفون لعلمائهم قدرهم، قال ابن عساكر: "لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، ومن وقع فيهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب".
فأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، ومن وضع قدمه في عرض مسلم، أو في أعراض المسلمين فقد وضعها على شفا جرف هار، يخشى أن ينهار به في نار جهنم، وكما قال الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه وعثرته في الرجل تبرا على مهل
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.