إن هناك عنصراً واحداً هو الذي أنتج كل هذه المشاكل، فمن العقل أن نعالج سبب المرض لا أن نعالج أعراض المرض، لو أن مريضاً من المرضى جاء إلى الطبيب في المستشفى فقال: عندي ارتفاع في درجة الحرارة، وعندي آلام في المعدة، وعندي شعور بالبرد، وعندي آلام في المفاصل، وعندي صداع في الرأس، وجمع خمسة أعراض.
إن الطبيب الأحمق هو الذي يصرف خمسة أدوية فيعطي الصداع دواءً، وآلام المعدة دواءً، وارتفاع وانخفاض الحرارة دواءً، وآلام المفاصل دواءً، وأوجاع الظهر دواءً، لكن الطبيب الذكي الحاذق هو الذي يبحث عن الشيء الذي سبب هذه الأعراض الخمسة فيعطيك علاجاً يقطع السبب، ثم تنقطع الأعراض، ثم لا تحتاج إلى تلك الأدوية، كل مشكلة لها علاج على حدة.
نعم من الحماقة أن نناقش كل قضية على حدة بمعزل عن مناقشة السبب الذي أوجد لنا هذه الشريحة التي بات اهتمامها وأصبح بعضهم كما قال الله: {كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] يتعب ويكد وفي نكد ونصب ووصب ومشقة، يلهث، يذهب، يجيء، يروح، يرتفع صوته، ينخفض، يتقدم، يخطو، يرحل، يسافر، لكن إلى أين؟ ومن أين؟ ولماذا؟ ولأجل من؟ ينبغي أن نسأل: ما هو السبب المولد لهذه المشكلة؟ واسمحوا لي -أيها الإخوة- أن نقول: يمكن أن نجعل السبب الذي هو مجموعة عناصر ولدت هذه المشاكل في نقاط: أولها: شعور كثير من أبنائنا وبناتنا بعقدة النقص، فيرون الآخرين جبالاً ويرون أنفسهم أقزاماً، يرون الآخرين عمارات سامقة ويرون أنفسهم حشرات ضئيلة، يرون الآخرين قمماً عالية ويرون أنفسهم ذرات مهينة، ثم بعد ذلك يمتلئون إعجاباً بالغرب، إعجاباً بالآخرين، ويمتلئون احتقاراً لأنفسهم فلا يرى أحدهم سبيلاً إلى إثبات وجوده وتحقيق ذاته، وإيجاد نفسه في مجتمعه، ولكي يقول للناس: إني موجود، وإني أتكلم، وإني صاحب هواية، وإني صاحب فكر، فتراه يختار وسيلة من وسائل الشذوذ أو الانحراف أو المعاصي لكي يلتفت إليه الناس وينظرونه وهذا هو أقرب تفسير لظاهرة كثير من الشباب الذين تجدهم أصلاً لا يعرفون التدخين فيحمل السيجارة ويدخن، ويجبر نفسه على التدخين حتى لا ينظر إليه نظرة نقص، أو حتى يلفت الآخرين إلى نفسه، وهذا هو السبب الذي تفسر به وجود بعض الشباب الذي تراه قد جعل من شعره مجسماً تشكيلياً، صوالين الحلاقة الآن امتلأت بمختلف القصات والموضات، آخر قصة "قصة أزمة الخليج" رأسه في أزمة، ولذلك كانت الحلاقة على شكل أزمة الخليج، ومنهم من قال: هذه "قصة كولن باول " وبعضهم من قال: هذه أزمة أو هذه "قصة شوار سكوف " أو هذه قصة فلان أو علان، المهم يريد أن يثبت للآخرين أنه يعرف شيئاً جديداً ويسلك مسلكاً جديداً حتى يلتفت إليه الناس، فعقدة الشعور بالنقص تجاه الآخرين ولدت في نفسه أن يسلك سلوكاً بموجبه يلبس أو يحلق أو يفعل أو يتصرف بطريقة تجعل الآخرين ينظرون إليه نظرة مستقلة عن سائر الناس.
ولو أنه يعلم أن الآخرين ينظرون إلى هذا بمنظار الازدراء والنقص والهوان لوجدته لم يفعل هذا أبداً، ولكنه رأى ما حوله من المجلات والشاشات والدعايات والإعلاميات وما شئت يجدها تصب في قالب إبراز أولئك الشاذين وغض النظر والإغفاء عن أحوال القدوات الجميلة الراقية في المجتمع.