أيها الأحبة! تكلم أناس في السحر هل هو ضرب من الخيال أم حقيقة باصرة ماثلة للعيان؟ فطائفة قالوا: إنه كله تخيل لا حقيقة له، ومن الطوائف السالفة السابقة المعتزلة العقلانيون الذين قالوا: إن السحر لا حقيقة له، وإنما هو ضرب وأنواع من الخيال.
وطائفة قالوا: السحر كله حقيقة لا خيال فيه.
والحقيقة: أن السحر منه ما هو من الخيال ومنه ما هو من الحقيقة.
فالسحر له حقيقة وضرب من ضروبه، يؤثر على الإنسان من باب التخيل.
قال ابن قيم الجوزية في معرض كلامه وهو يرد على المعتزلة، الذين يقولون: إن السحر كله تخييل، قال: وهذا خلاف ما تواترت الآثار به عن الصحابة والسلف واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وما يعرفه عامة الفقهاء.
ويقول ابن قدامة وهو من أئمة وكبار أئمة المذهب الحنبلي: وللسحر حقيقة، فمنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن زوجته، وما يبغض أحدهما للآخر، أو يحبب بين اثنين، وهذا قول الشافعي.
وبالمناسبة على كلام ابن قدامة رحمه الله أن من السحر ما يحبب بين اثنين، فللأسف أن طائفة من شياطين السحرة أخذوا يستخدمون السحر في الدعارة، فتجدهم والعياذ بالله يسحرون امرأة مسكينة ويعلقونها برجل إن كان قريباً أو بعيداً من غير محارمها ثم والعياذ بالله يقع بينه وبينها من الزنا ولا تجد نفسها إلا أسيرة مملوكة في الغالب لا تستطيع أن تخرج عن إرادة هذا الساحر.
واللوطية وأهل الشذوذ والعياذ بالله ومروجو الدعارة وأساطين الفساد والانحلال الأخلاقي كذلك ربما استخدموا هذا السحر من أجل أن يروضوا وأن يجروا من يشاءون ممن يريدون أن يتبادلوا معهم فعل الفواحش أو يفعل بهم الفواحش.
من المؤسف أن بعض الشباب قد بدأ بداية ضالة بدعوى حب الاستطلاع والاطلاع على العالم المجهول، بعضهم إذا سافر إلى بلد مجاورة يباع فيها كل شيء مما يضر ولا ينفع، تجد هذا الشاب يشتري كتب السحر ثم يأتي بها ثم يحاول أن يعزم ويعقد ويطلسم وينفث ويكتب ويضع المعادلات والمربعات والحروف والمقطعات من أجل أن يسخر فتى أو أن يوقع امرأة في حباله وشره.
والحقيقة كما قلنا أيها الأحبة! أن من السحر ما هو حقيقة وبعضه ما هو تخييل.
سُئل الإمام العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين هل للسحر حقيقة؟ أجاب سماحته بأن للسحر حقيقة ولا شك، وهو مؤثر حقيقة لكن كونه يقلب الشيء أو يحرك الساكن أو يسكن المتحرك فهذا خيال وليس بحقيقة، انظروا إلى قول الله عز وجل في قصة السحرة من آل فرعون، يقول تعالى: و {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116] وفي الآية: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] يعني السحرة أولئك نثروا ورموا تلك الحبال والعصي وسحروا أعين الناس، فتخيل الناس أن هذه العصي والحبال حيات تسعى وبعضها يلتوي على بعض، فجاءت المعجزة أن حية حقيقة وليست خيالاً وهي التي بأمر الله خلقت وبأمر الله انطلقت ابتلعت ذلك السحر كله.