ولكن
Q إن هؤلاء السحرة لو أعرض الناس عنهم لأصبحت سلعهم بائرة وأصبحت بضائعهم كاسدة، فما الذي جعل سوق السحر عامرة؟ وما الذي جعل أسواق السحر ودكاكين السحر يرتادها الناس بين الفينة والأخرى؟
صلى الله عليه وسلم يرجع ذلك إلى أمور: إن أهم دوافع اللجوء إلى السحرة يعود إلى الخواء الروحي، ويعود إلى تلك المعاناة، وإلى ذلك القلق، والشرود، والفراغ والجوع الروحي، والظمأ القلبي، كل ذلك من دوافع اللجوء إلى السحرة، فترى الواحد من هؤلاء الذين يشكو كل هذه الأعراض لا يتردد أن يذهب إلى السحرة؛ يظن أن عندهم ما يقلب شروده إلى نبوغ وتألق، وما يقلب ضيقه إلى سعة وأنس، وما يقلب وحشته إلى سرور وسعادة، وهو في الحقيقة كالمستجير من الرمضاء بالنار.
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
أولئك يلجئون يريدون السعة فيقعون في الضيق، يريدون السعادة فيقعون في الشقاء، يريدون الأنس فيقعون في الوحشة، يريدون العافية فيزدادون ألماً وسقماً وعذاباً ومرضاً، وعند الله للأشقياء الذين يعرضون عن ذكر الله مزيد من أنواع البلاء: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124].
أيها الأحبة! إن الله عز وجل قد جعل لكل شيء زاداً وقواماً يقوم به، فلو أنا ملأنا الطائرات تراباً لتقلع على المدرجات وتحلق في الهواء ما أقلعت، ولو أننا ملأنا السيارات حصى ورملاً لتتحرك عن مواقعها ما تحركت، فللطائرات وقود معين، وللسيارات وقود معين، وكذلك للبطون شيء يناسبها مما يتحول قوة وعافية في الأبدان، وكذلك للقلوب أغذية معينة فلا تطمئن ولا تنشط ولا تعيش ولا تسعد إلا بتناولها غذاءها الذي شرعه الله لها {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] إن الذي خلق القلوب جعل غذاءها ذكر الله، وجعل دواءها كلام الله، وجعل دواءها اللجوء والفزع والتجرد بالعبادة لله عز وجل، فمن طلب دواءً غير ذلك فهو يزداد من الأسقام والأمراض زيادة، ويتداوى بالداء يظن أنه بهذا يحصل الدواء، لا دواء للقلوب إلا بذكر الله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] اسأل هؤلاء الشاردين، الذين ربما أصيب أحدهم بما يسمى بالاكتئاب أو بالشرود أو بالقلق فستجد بعضهم -حتى لا نعمم- قد دفع أموالاً طائلة كثيرة وربما ارتكب مخالفات شرعية كثيرة من أجل أن يفضي أو أن يضيف إلى نفسه سعادة ومتعة روحية، لكنه غير وجود ذلك رغم أنواع المهدئات وأنواع المفترات، وأنواع الأدوية والعقاقير، لكنها ما نفعت شيئاً، لكن الذي نفع هو كلام الله عز وجل.
لكن الذي نفع هو القرآن الذي جعله الله شفاء ورحمة وهدىً للمؤمنين وشفاء لما في الصدور.
ولو أن الواحد منا إذا حل به شيء من الضيق أو القلق أو الشرود أو الاكتئاب أحسن الوضوء وتطيب، وتوضأ وأحسن الطهارة في بدنه وثوبه، ثم توجه إلى المسجد وصلى ركعتين وناح إلى ربه، وشكا إلى ربه، وتملق إلى ربه، وعظَّم خالقه، وعفر جبينه وأنفه لله عز وجل، وأطال السجود ليس كسجود الغربان الذين ينقرون الصلاة ركوعاً وسجوداً، وإنما ألح على الله عز وجل والله وتالله وبالله تحقيقاً لا شك فيه، ثقة بوعد الله عز وجل ليخرجن من باب المسجد قرير العين هادئ البال مطمئن النفس، وقد انقلب شروده إلى راحة، وانقلب اكتئابه إلى أنس وانطلاقة بإذن الله عز وجل.
نعم أيها الأحبة! إن الخواء والبعد عن ذكر الله، من أهم الأسباب التي دفعت بعض الناس الذين نالتهم أعراض الاكتئاب وما تفرع عنها ظنوا أنهم مسحورون، وبعضهم قال له قائل أو جار أو قريب أو صديق: إنك مسحور وعليك علامات السحر، فصدق الأمر فلجأ إلى هؤلاء، ولو أنه أحسن اللجوء للجأ إلى الله عز وجل الذي بيده مقادير الأمور جميعاً.