قال: [ويحرم عليه أخذ الرشوة]؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي كما في الترمذي، وقال: (هدايا العمال غلول) كما في مسند الإمام أحمد.
إذاً: لا يقبل حتى الهدية إلا أن يكون الذي أهداه بينهما تهاد سابق وليس له عنده حكومة.
[ولا يسار أحد الخصمين] يعني يكلّمه سراً دون الآخر، [أو يضيفه، أو يقوم له دون الآخر]؛ لأن هذا كما تقدم يكسر قلبه ويضعف حجته.
[ويحرم عليه الحكم وهو غضبان كثيراً]؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان) متفق عليه.
قال المؤلف هنا: (كثيراً) يعني الغضب الكثير الذي يُشغل فكره ويجعله لا يتصور المسألة تصوراً تاماً، ويجعل نظره أيضاً في الأدلة قاصراً، أما الغضب اليسير فلا يمنع، ولذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم وهو غضبان لما قال الرجل: (أن كان ابن عمتك) وذلك في خلاف الأنصاري مع الزبير كما في الصحيحين، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير؛ لأن الغضب اليسير الذي لا يُشغل الفكر ولا يمنع من التصور التام والنظر التام لا يمنع من القضاء.
قال: [أو حاقن، أو في شدة جوع، أو عطش، أو هم، أو ملل، أو كسل، أو نعاس، أو برد مؤلم، أو حر مزعج].
هذا كله من باب القياس على الغضب.
قال: [فإن خالف وحكم] أي: وهو غضبان غضباً شديداً ونحوه؛ [صح إن أصاب الحق]، وإن لم يصب الحق وجب عليه أن ينقضه، ولا يقول: أنا حكمت وانتهى! بل يجب عليه أن ينقض حكمه، ولا يصح بقاء هذا الحكم حيث حكم وهو في غضب شديد.
قال: [ويحرم عليه أن يحكم بالجهل، أو وهو متردد، فإن خالف وحكم لم يصح ولو أصاب].
أي: فليس له أن يحكم أصلاً ما دام أنه لا يعرف الحق، أو عنده تردد لا يدري هل هذا هو الحق أو غيره؟ فإن حكم فيجب عليه أن ينقض هذا الحكم، وهذا حكم باطل ولو أصاب الحق؛ لأن طريقه خطأ فكان باطلاً ولو أصاب الحق.
قال: [ويوصي الوكلاء والأعوان ببابه بالرفق بالخصوم].
الذين يقفون عند الباب من العسكر وغيرهم يأمرهم بالرفق بالخصوم، [وقلة الطمع]؛ لئلا يضروا بالناس، [ويجتهد أن يكونوا شيوخاً أو كهولاً من أهل الدين والعفة والصيانة].
[ويباح له أن يتخذ كاتباً يكتب الوقائع] يكون عنده كاتب يكتب الوقائع والأقضية، [ويشترط كونه مسلماً مكلفاً عدلاً] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران:118] فيكون مسلماً ويكون مكلفاً عدلاً، [ويسن كونه حافظاً عالماً] ليعينه على أمره.