واختلف أهل العلم في تفسير القرؤ، فقال: الحنابلة والأحناف: القرؤ هو الحيض، وعلى ذلك فإذا طلق المرأة وهي حائض فتعتد بثلاث حيض، حيضة ثم حيضة ثم حيضة، فإذا اغتسلت من الحيضة انقضت عدتها.
وقال المالكية الشافعية: القرؤ هو الطهر، وعلى ذلك فإذا طلقها وهي طاهر فهذا الطهر قرؤ واحد، فإذا حاضت فطهرت فهذا القرؤ الثاني، فإذا حاضت فطهرت فهذا القرؤ الثالث، فإذا حاضت فقد انقضت عدتها، وعلى ذلك فلن تحيض إلا حيضتين، وبالحيضة الثالثة تكون قد انقضت عدتها فيجوز أن يعقد عليها.
استدل أهل القول الثاني وهم المالكية والشافعية بقول الله جل وعلا: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] قالوا: هنا أنث العدد والعدد إذا أنث فالمعدود مذكر، لأنه قال: (ثلاثة قروء) قالوا: والطهر هو المذكر لا الحيضة.
ثانياً: قالوا: إن الله جل وعلا قال: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] أي: في عدتهن؛ قالوا: والطلاق إنما يكون في حال الطهر لأن حال الحيض ليس وقت طلاق في الشرع.
والقول الأول وهو قول الأحناف والحنابلة هو الراجح، واستدلوا بأدلة؛ منها ما جاء في سنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اتركي الصلاة أيام أقرائك) يعني أيام حيضك.
قالوا: ولأن الله جل وعلا قال: (ثلاثة قروء) وعلى حساب المالكية والشافعية يصح أن تنقضي عدتها بطهرين وبضع طهر.
فهذه امرأة طاهر بقي لحيضها ثلاثة أيام فطلقها زوجها، فهذه الثلاثة أيام تحسب طهراً، ثم تحيض ثم تطهر ثم تحيض ثم تطهر، وعلى ذلك صارت عدتها طهرين وبعض طهر.
قالوا: وأما على قولنا: فإنا نقول: ثلاث حيضات، والثلاثة نص، وعلى ذلك فما ذهب إليه الحنابلة والأحناف هو الراجح كما تقدم؛ لأن العدد نص في المعدود.
قالوا: وأما قوله جل وعلا: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] فقد جاء عن ابن عمر كما عند ابن المنذر قال: طلقوهن قبل عدتهن، قالوا: فاللام هنا للاستقبال، أي: طلقوهن مستقبلات عدتهن، وذلك لأن العدة سببها الطلاق فيكون الطلاق سابقاً لها، يعني: طلقوهن طلاقاً سابقاً للعدة.
وعلى ذلك فالقرء هو الحيض، فإذا حاضت المرأة ثلاث حيض فإنها بذلك تنقضي عدتها.
ثم قال رحمه الله: [وحيضتان إن كانت أمة]، صح ذلك عن عمر وابن مسعود كما في مصنف عبد الرزاق، وصح كذلك عن ابن عمر، ولا يعلم لهم مخالف.
فالأمة عدتها حيضتان والحرة عدتها ثلاث حيض.
إذاً: أول المعتدات هي المتوفى عنها زوجها، والثانية هي المطلقة التي فارقها زوجها في حال الحياة وهي تحيض، وعدتها ثلاث حيض، وتقدم لكم أن الراجح أنها إن كانت مختلعة فعدتها حيضة، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه، وهو قول إسحاق ورواية عن الإمام أحمد، وقد جاء في النسائي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المختلعة أن تعتد بحيضة) وهكذا كل مفسوخة.
إذاً: المعتدة الثانية هي المفارقة في حال الحياة؛ فإن كانت مفارقة بطلاق فتعتد بثلاث حيض، وإن كانت مفارقة بخلع أو فسخ فقولان، المذهب أنها تعتد بثلاث، والراجح أنها تعتد بحيضة.