قال: [فالمفارقة بالوفاة تعتد مطلقاً]، يعني سواء دخل بها أم لم يدخل بها، كبيراً كان الزوج أو صغيراً، لعموم قوله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234].
وروى الخمسة أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن رجل توفي عن امرأة لم يدخل بها ولم يفرض لها صداقاً، فقال رضي الله عنه: (عليها العدة ولها الميراث، ولها صداق نسائها من غير وكس ولا شطط، فقام معقل بن سنان وقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد قضى لامرأة منا بمثل ما قضيت).
قال: [فإن كانت حاملاً من الميت فعدتها حتى تضع كل الحمل]، لأنها قد تكون حاملاً بأكثر من ولد، فعدتها حتى تضع كل الحمل، قال جل وعلا: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4].
وما هو الحمل الذي إذا وضعته المرأة تنقضي عدتها من الوفاة وكذلك المطلقة؟
صلى الله عليه وسلم إذا وضعت ما يتبين فيه خلق الإنسان ولو بوجه خفي.
والأطوار كما تعلمون ثلاثة: الطور الأول: طور النطفة، ويكون أربعين يوماً.
ثم العلقة: وتكون أربعين يوماً.
ثم المضغة: والمضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة، فإذا وضعته في الأربعين الأولى لم تنقض عدتها، وإذا وضعته في الأربعين الثانية كأن ولدت لسبعين يوماً لم تنقض عدتها.
فإذا وضعته بعد مضي ثمانين يوماً فهل تنقضي عدتها؟ الجواب: فيه تفصيل، فإن كان قد تبين فيه خلق الإنسان، بمعنى أنا نرى فيه صورة يد أو رجل، أو صورة وجه أو عين، أو ما يتبين فيه خلق الإنسان ولو بوجه خفي، فتنقضي بذلك عدتها.
إذاً: لا تنقضي عدة المرأة بوضع ما لا يتبين فيه خلق الإنسان، وإنما تنقضي بوضع ما يتبين فيه خلق الإنسان، وذلك لا يكون إلا بعد مضي ثمانين يوماً، فإذا مضت الثمانون يوماً نظرنا: فإن تبين فيه خلق الإنسان انقضت عدتها به، وإن لم يتبين فيه خلق الإنسان لم تنقض عدتها به.
وعلى ذلك فلو أن امرأة أخبرت أن زوجها قد توفي بحادث فجزعت ورمت ما في بطنها، فنظرنا فوجدنا أن هذا الذي قد وضعته قد تبين فيه خلق الإنسان، فإن عدتها تنقضي بذلك.
وهذه امرأة أخرى توفي زوجها وهو يريد أن يذهب بها إلى المستشفى فمات ودخلت هي المستشفى فوضعت في نفس الليلة فإنها تنقضي عدتها، ولذا جاء في صحيح البخاري وأصله في الصحيحين: (أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال، فاستأذنت النبي عليه الصلاة والسلام أن تنكح فأذن لها).
قال: [فإن كانت حاملاً من الميت فعدتها حتى تضع كل الحمل]، أي: إذا كانت حاملاً من غيره بأن تزوجها فولدت لخمسة أشهر، فلا تنقضي عدتها إذا وضعت الحمل، لأنا علمنا أن هذا الولد ليس منه، لأنها وضعته لخمسة أشهر؛ قالوا: وتحسب له العدة بعد الوضع، فيحسب لها أربعة أشهر وعشراً بعد أن تفرغ من عدة صاحب الحمل.
أي: فإذا وضعت هذا الحمل الذي ليس من زوجها فإنها تعتد أربعة أشهر وعشراً.
قال: [وإن لم تكن حاملاً فإن كانت حرة فعدتها أربعة أشهر وعشر ليال بأيامها]، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] العدد هنا مذكر وعشراً، وإذا ذكر العدد فإن المعدود مؤنث، يعني وعشر ليال، لكن النهار يتبع الليل، وهذا كما قال الله جل وعلا عن نبيه زكريا: {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم:10] وفي آية أخرى: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة:196] وعلى ذلك فنقول: التأنيث هنا قد جرى مجرى الغالب، فالعرب يؤنثون ويريدون دخول الأيام.
يقول: سافرت سبع ليال، يريد: سبع ليال بأيامها، وعلى ذلك تنقضي العدة بغروب الشمس من اليوم العاشر، وكيف يكون الحساب؟ إذا قدر أن زوجها توفي في أول يوم من الشهر، أو في أول ليلة منه، فنحسب أربعة أشهر ثم نحسب عشر ليال بأيامها، فإذا توفي مثلاً ليلة دخول رمضان بعد غروب الشمس، نقول: عدتها رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة وعشرة أيام من محرم، فإذا غربت الشمس من اليوم العاشر من محرم قلنا: إن العدة قد انتهت.
فإن كان قد توفي في أثناء الشهر كما لو توفي في اليوم الخامس أو اليوم العاشر أو اليوم الثاني أو الثالث أو توفي في اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان فكيف يكون الحساب؟ يكون الحساب بأن نحسب ما أدركه من رمضان، فإذا قالت المرأة: إنها أدركت من رمضان عشرة أيام نقول: إنها اعتدت من رمضان عشرة أيام ونضيف إليها عشرين يوماً فنحسب الشهر كاملاً، فإذا اعتدت عشرة أيام من محرم أضفنا إلى ذلك ما نكمل به ثلاثين يوماً من الشهر الذي أدركت بعضه، فإذا غربت الشمس انقضت عدتها.
قال: [وعدة الأمة نصفها]، الأمة عدتها على نصف الحرة كما أن طلاقها على نصف الحرة، وهذا هو مذهب عامة أهل العلم،