أما عن موقفهم من الأنبياء فهو لا يقل خزياً وعاراً عن موقفهم مما ذكرنا، فإنهم قالوا: إن يوسف حل معقد الإزار وجلس من المرأة ليبغي بها مقعد الرجل من امرأته، افتراء على يوسف عليه السلام، وهو الذي برأه الله تبارك وتعالى في سورة سماها باسمه وهي سورة يوسف عليه السلام، وليس هذا مجال الدفاع عن الأنبياء بالتفصيل.
وكذلك قالوا: إن لوطاً شرب الخمر فسكر فقام على ابنتيه فزنا بهما، وكان من نسله -أي: ومن نتاج زناه- أن بعث الله تعالى أنبياء ومرسلين، مع أن الله تبارك وتعالى ما بعث نبياً إلا وهو حسيب في قومه، بل من أشرافهم.
ثم قالوا: إن إبراهيم عليه السلام قدم سارة لطاغية مصر ليزني بها، ويأخذ منها هواه، مع أنه أخرج البخاري ومسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، قال: إني سقيم) أي: لما دعوه وحملوه على أن يشارك في أعيادهم الكفرية والشركية، قال: دعوني فإني سقيم.
على تقدير ما سيكون لو أنه شارك، وهكذا أهل العربية يفهمون أن هذا من باب المجاز باعتبار ما سيكون، كما في قول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه:74] ولا يأتي أحد يوم القيامة مجرماً، بل لا يجرؤ أحد أن يقدم بين يديه إجراماً يوم القيامة، ولكن الله تعالى سماه مجرماً باعتبار ما كان منه في حياته الدنيا، فهكذا قال إبراهيم عليه السلام: إني سقيم، أي: باعتبار ما سيكون لو أنه فعل ذلك.
ولما دخل مصر وكان يعلم أن بها طاغية جباراً عنيداً يأخذ كل امرأة لها بعل بعد قتل زوجها، فقال لـ سارة: (إنا قادمون على جبار طاغية، وإن من شأني كيت وكيت، فإذا أخذك فقولي: إنني أخته وإنك أختي في الإسلام)، هكذا كذب إبراهيم عليه السلام، وليست في حقيقة الأمر كذبة، ولذلك إذا طلب العدو أحداً بين يديك وكان العدو ظالماً، وكان هذا المتخفي عندك مظلوماً، فيحرم عليك أن تدل العدو عليه، وإلا لكنت شريكاً في قتله وإراقة دمه، بخلاف ما لو كان هذا الطالب طالب حق، والمطلوب ظالماً ومحدثاً فالأمر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعن الله تبارك وتعالى في المدينة من أحدث بها حدثاً، أو آوى بها محدثاً)، أي: آوى رجلاً محدثاًَ مبتدعاً بدعة في الاعتقاد استوجبت قتله، فطلبه السلطان ليقتله، فامتنع الناس عن تسليم هذا المحدث؛ فحينئذ تنزل عليهم لعنة الله عز وجل.
من براءة إبراهيم عليه السلام: (أن الطاغية لما مد يده إلى سارة تصلبت، فقال الطاغية: ادعي الله لي أن يرد علي يدي ولا أمسك بسوء؟ فدعت، فرجع إلى ما كان آنفاً، ثم قال لها: ادعي الله لي أن يعافيني ولا أصيبك بسوء، فدعت، فعاد الثالثة ثم أعطاها الوعد فصدق، فانصرفت وأعطاها هاجر تخدمها، فلما قدمت على إبراهيم قال: مهيم؟! أي: ما خبرك مع هذا الطاغية؟ قالت: عافني الله تعالى من شره وأخدمنا خادمة)، أما اليهود فيقولون: إن إبراهيم قدم سارة لهذا الطاغية.
وفي المقابل نجد الملاحدة الذي يتكلمون بألسنتنا ويدينون بديننا في الظاهر يقولون: إن هذا الحديث لا يمكن قط أن يتفق مع العقل، وإن رواه البخاري ومسلم.
حتى قال لي أحدهم: والله لو أن هذا الحديث ورد في كتاب الله لكفرنا به! نعم، الوقت يسمح لكل جبار وطاغية وعنيد وملحد وزنديق أن يأتي بإلحاده وزندقته، فلا حارس ولا راعي لهذا الدين العظيم، ولذلك كل من تكلم بكفر الآن يعلم أنه في مأمن من السيف، لكنه ليس في مأمن من قعر جهنم، فليقل ما شاء والموعد الله، هذا دين الله عز وجل، وإن تقاعس الخلق أجمعون عن نصرته فإن الله تعالى جدير وخليق وأهل لأن يحمي دينه، فلا أقل من أن نعتقد ما اعتقده ذلك المشرك عبد المطلب لما قال: أما البيت فله رب يحميه.
أما هذا الإلحاد الذي يخرج علينا في كل يوم وفي كل ليلة أقسم بالله أنه ظاهرة صحية؛ لأن كثيراً من الناس يتأذى بذلك، لا والله بل هذا مهم لتمييز الحق من الباطل، وتمييز أهل الإيمان من أهل الجحود النكران والكفران، هذا تمييز للصف {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح:25]، فالتزيل والتميز أمر مطلوب جداً حتى ينقى الصف، وإلا لو اختلط الحابل بالنابل لم نعرفهم.
لو أن كل امرأة الآن لبست النقاب لاختلطت علينا المؤمنة بالكافرة، والملحدة والعاصية التي لم تلبسه عن قناعة وذل وخضوع، وامتثال لأمر الله عز وجل، ولكن الآن نستطيع أن نفرق بين الحرة العفيفة المؤمنة وبين غيرها، فاللباس مظهر للتميز، فهذه ظاهرة صحية والله وليست ظاهرة مرضية، حتى لا يتأذى بها كثير من الناس، وانظروا إلى مصداق كلامي في الحديث الصحيح: (أتى خباب بن الأرت رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو مسند ظهره إلى الكعبة، فقال: يا رسول الله! ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو الله لنا، فإنه ق