ابتلاء أصحاب العقائد

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني، ورق عظمي، وحضر أجلي، فابعث إلي بغلام أعلمه السحر، فأرسل إليه الملك غلاماً يعلمه السحر، وكان على الطريق بين الغلام والساحر راهب، فذات مرة جلس الغلام إلى الراهب فسمع كلامه فأعجبه كلامه فلازمه، وكان إذا خرج من عنده متأخراً ذهب إلى الساحر، عاقبه الساحر على التأخير، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال الراهب للغلام: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر) يكذب لينجو بنفسه، وهذا أمر مشروع، أو يكذب لينجي نفساً أخرى، ولا بأس بالكذب هنا؛ لأن الحرب خدعة، وهذه حرب ضروس بين الإيمان والكفر.

قال: (وذات يوم انطلق الغلام في طريقه إلى الساحر فوجد دابة عظيمة قد حبست الناس فلم يمروا، فقال الغلام في نفسه: اليوم أعلم أي الأمرين أحب إلى الله تعالى، أمر الساحر أم أمر الراهب، فأخذ حجراً في يده وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة، ثم رماها بحجر فقتلها، فقال: الآن أيقنت أن أمر الراهب أحب إلى الله من أمر الساحر، وانطلق الناس يمشون، فجاء الغلام إلى الراهب، فقال له: لقد كان من أمري اليوم كذا وكذا، فقال الراهب: يا بني! إنك اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى)، انظروا إلى هذه السنن الربانية: لا بد من الابتلاء لأهل الإيمان؛ لأن العقيدة أشرف شيء يمكن أن يدعو إليه الداعي، أو يحافظ عليه المسلم، وهذا لا يكون رخيصاً، بل لا بد من دفع الثمن مقدماً، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، وقال عليه الصلاة والسلام: (يبتلى المرء على قدر دينه) أي: لا بد أن تبتلى في دينك، فاصبر فإنهم لا يضرونك شيئاً، إنما سلطانهم على أبدانكم، وليس على أرواحكم أو قلوبكم أو عقائدكم، فتلك أمور لا سلطان لأحد عليها إلا سلطان الله عز وجل؛ لأن (القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) سبحانه وتعالى.

وقال عليه الصلاة والسلام: (يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة).

منحة من الله عز وجل لعباده المؤمنين أن يبتليهم بالأمراض والأوجاع والأسقام، وتسلط الكافرين عليهم حتى يطهرهم من ذنوبهم كبيرها وصغيرها، ويقدمون على رب رحيم غفور، ثم يوم القيامة سيدخلهم الجنة مع أول الداخلين بغير حساب ولا سابقة عذاب، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم.

ثم قال: (وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي) وصية أهل الإيمان بعضهم لبعض، إذا ابتليت يا فلان فلا تدل علي إلا أن تعجز عن ذلك، ويقع على جسدك من العذاب ما لا يمكن أن تقدر عليه، ويكون المخرج أن تدل علي، ويغلب على ظنك أنني لا أفتن بهذه الدلالة، فلا بأس حينئذ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015