خرج إبراهيم بعد هذا البلاء قوياً.
ثم رزق بولد بعد سنين، ووصفه القرآن بأنه {حَلِيمٍ} [الصافات:101].
فحب الولد أمر فطري، ويزداد الحب إن كان الولد حليماً وقد جاء بعد غياب طال سنوات، ثم إذا بالأمر من الله عز وجل لإبراهيم أن اذبح ذلك الولد، فيا له من بلاء! والبلاء هو طريق أصحاب الدعوات، ولما كان الأمر من الله لم يملك إبراهيم وولده إلا أن يسلما.
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، فأمام أمر الله لا اختيار لك يا عبد الله! وذلك بعد أن رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ولده ورؤيا الأنبياء وحي، يقول صلى الله عليه وسلم: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟! قال: الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له)، فجاء يقصها على ولده، فوجد عنده التسليم، يقول ربنا سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103].
فكبر إبراهيم وسمى الله، وتشهد الولد، فصرعه إبراهيم على جبينه، وهوى عليه بالسكين؛ لينفذ فيه أمر الله، ولم يقل الولد: ما تقول لأمي يا أبي! إن سألتك عني؟ أو: هل يهون عليك أن تقتلني؟ أو: ماذا تقول للناس بعد قتلي؟ وإنما قال الولد لأبيه: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]، فيا له من استسلام لقضاء الله وصبر على بلائه! {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103]، أي: صرعه على جبينه، {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:104 - 105].
فقد كان إبراهيم أمة في الصبر على البلاء، وصدق الله سبحانه: {وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124].
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.