الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: ثبت عن مجاهد أنه قال: ملك الدنيا أربعة: مؤمنان وكافران.
أما المؤمنان فهما سليمان بن داود عليهما السلام وذو القرنين.
وأما الكافران فهما بختنصر والنمرود بن كنعان الذي آتاه الله الملك وحاج إبراهيم في ربه.
وإلى كل ظالم أقول: ذلك الملك آتاه الله الملك، ولأن الله آتاه الملك حاج إبراهيم في ربه، فصاحب البلاء يتواضع، ولكن الذي آتاه الله الملك قد يتكبر، ولذلك فرعون قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]، فأجرى الله الأنهار من فوقه، فالجزاء من جنس العمل، والله لا يغفل سبحانه وتعالى.
فـ النمرود بن كنعان قال لإبراهيم: من ربك يا إبراهيم؟! قال: ((رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)).
ففهم النمرود إبراهيم خطأً؛ لأنه فهم أنه يملك الإحياء، أي: أنه يصدر حكماً بالعفو عمن حكم عليه بالإعدام فيكون قد أحياه، ويأتي برجل لا ذنب له ويقتله فيكون قد أماته، وهذا ليس إحياء ولا إماتة، وحتى لا يفهم بعض الحضور خطأً هذه الحجة الواهية من الملك انتقل إبراهيم عليه السلام من أمر يقبل الجدل إلى أمر لا يقبل الجدل، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ}، فعند ذلك {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].