ثم ذكر النوع الثالث فقال: أو منهوماً للذات سلس الانقياد للشهوات، يعني: الإنسان الذي همه أن يحصل على شهوته، والشهوات هي التي تحركه، وهو شديد الارتباط بالأرض وشهواتها، فهذا لا يستطيع تحصيل العلم النافع، ولا يصلح لوراثة الأنبياء؛ لأن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وكان الرجل إذا اشتغل بالحديث يحتسبه أهله، يعني: بمجرد ما يسلك طريق الحديث ويتعلم يحتسبونه عند الله عز وجل، ويعلمون أنهم لن يستفيدوا منه شيئاً في أمور الدنيا، فيحتسبونه عند الله عز وجل، فلا ينال العلم براحة الجسم، بل لا بد من البذل ومن مواصلة الليل بالنهار.
والحاصل: أن المنشغل باللذات لا يصلح لحمل العلم النافع، ولا لوراثة النبوة، ويصح أن يقال له: فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد النوع الرابع: يقول: أو مغرم بجمع الأموال والادخار، أي: همه أن يجمع المال، فهو يعمل بالليل وبالنهار ليكثر ماله، فمثل هذا أيضاً لا يصلح لجمع العلم النافع وحمله، فالمغرمون بجمع الأموال والادخار ليسوا من دعاة الدين، وأقرب شبهاً بهم الأنعام السائمة.
ثم يقول: كذلك يموت العلم بموت حامليه، كما في البخاري وغيره: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء).
والله عز وجل على كل شيء قدير، فهو قادر على نزع العلم من صدور الرجال، ولكنه عز وجل لا يقبض العلم بهذه الطريقة، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، ولذلك يقولون: من علامات الساعة: موت علماء السنة، وذهاب العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء، (فإن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم -وفي رواية لم يبق عالماً- اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).