قال صلى الله عليه وسلم: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة) والطريق إلى تحصيل العلم إما أن يسعى إلى عالم يتعلم منه أو يسأله، أو يسعى إلى معهد أو مدرسة يتعلم منها العلوم الشريفة علوم الشرع، وإما أن يكون طريقاً معنوياً كأن ينوي دراسة علم معين، أو ينظم إلى معهد أو مدرسة أو دار تحفيظ؛ من أجل أن يدرس علماً من العلوم الشرعية.
ف (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة).
قالوا: وتسهيل الطريق إلى الجنة إما أن يسهل الله عز وجل له هذا العلم، والعلم يوصل إلى الله عز وجل وإلى الجنة من أقرب طريق، كما قال بعضهم: هل من طالب علم فيعان عليه؟ والعبد لا يعرف كيف يتقي الله عز وجل حتى يعلم ما يحبه الله عز وجل ويرضاه، إذ كيف يتقي من لا يدري كيف يتقي؟ فلا بد أن يتعلم العلم حتى يتقي الله عز وجل، بل إن الله عز وجل حصر الخشية منه في العلماء، فقال عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].
وإنما أداة حصر في اللغة.
وقال عبد الله بن مسعود: كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار بالله عز وجل جهلاً.
وقيل للإمام الشعبي: يا عالم! قال: إنما العالم من يخشى الله.
فالعلم علمان: علم في القلب، وعلم على اللسان.
أما علم اللسان فلا ينتفع به العبد، وأما علم القلب فهو الذي ينتفع به العبد، وهو أول علم يرفع من الأرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن ينزع العلم بقبض العلماء، فإذا قبض العلماء اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
فنزع العلم من قلوب العلماء جائز في قدرة الله عز وجل؛ لأن الله على كل شيء قدير، ولكن هذا الحديث يبين أن ذلك لا يحدث، وأن الله عز وجل إذا أراد أن يرفع العلم فإنه يقبض العلماء، ولا ينزع العلم من صدورهم، ولكن يقبض علماء السنة، الذين هم علماء القلب والخشية، فيتخذ الناس رءوساً جهالاً فيسألون فيفتون بغير علم فيَضِلُّوا ويُضِلُّوا، فهذا أول علم يرفع كما قال بعضهم: ألا أخبركم بأول علم يرفع هو الخشوع.
فينزع هذا العلم أولاً -عباد الله- ثم ينزع كذلك علم اللسان، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب -أي: نقش الثوب- فلا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا صدقة، ويسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى الرجل الكبير والمرأة العجوز يقولون: لا إله إلا الله وجدنا آباءنا عليها فنحن عليها إلى أن يتوفانا الله).
فقال صلة بن زفر لـ حذيفة: يا حذيفة! ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة حتى كررها ثلاثاً، فقال حذيفة: تنجيهم من النار، تنجيهم من النار، تنجيهم من النار.
فبعد أن يرفع علم القلب وهو الخشية يرفع كذلك العلم من السطور ومن الصدور، ونعوذ بالله من أن ندرك هذا الزمان.
فالله عز وجل يرفع القرآن قبل قيام الساعة، فلا يبقى في الأرض منه آية.
فاعرفوا عباد الله! نعمة العلم النافع ونعمة القرآن، وتصوروا هذا الزمان الذي يرفع فيه القرآن من السطور ومن الصدور فيعيش الناس بلا قرآن كأنهم البهائم، ويبقى شرار الناس وعليهم تقوم الساعة، وتأتي ريح من جهة الشمال فتأخذ المؤمنين من تحت آباطهم فتقبض كل روح مؤمنة، ولا يبقى إلا الكفرة والفجرة، فكيف تكون الأرض بعد ذلك؟ ثم تقوم القيامة بعد ذلك على شرار الخلق بعد أن يرفع القرآن، وبعد أن تهدم الكعبة على يد ذي السويقتين الحبشي حجراً حجراً، فتهدم الكعبة ويرفع القرآن.
فينبغي أن نعرف نعمة وجود الكعبة وحج الناس وعمرتهم إليها، ونعمة وجود العلم النافع والعمل الصالح، ونعمة القرآن وهذا يرفع في آخر الزمان، فيرفع أولاً علم القلب وهو الخشوع، ثم يرفع كذلك علم اللسان، فيرتفع القرآن من الصدور ومن السطور، فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى ناس لا يعرفون من الإسلام إلا كلمة: لا إله إلا الله.
فيقول صلة بن زفر أحد التابعين لـ حذيفة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا صدقة؟ فقال: تنجيهم من النار.
وهذا فيه دليل على الحكم بإسلام من نطق بالشهادتين إذا جهل كل شرائع الإسلام من الصلاة والصيام والصدقة وغير ذلك، وهو من أدلة العذر بالجهل، فإن في آخر الزمان يبقى ناس لا يعرفون صلاة ولا صيام ولا صدقة ويجهلون ذلك، ولا سبيل لتحصيل علم ذلك؛ لأن ذلك قد رفع من الأرض وتعذر الوصول إليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.