وفي قول الله عز وجل: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ} [المائدة:31] إشارة إلى كثرة البحث، فكأنه ظل يحفر حتى حفر حفرة عميقة؛ لأنه ما قال: بحث في الأرض، بصيغة الماضي، بل قال: (يبحث في الأرض) أي: أطال البحث حتى حفر حفرة عميقة، فاهتدى هذا الرجل إلى سنة الدفن، فحفر لأخيه حفرة عميقة فدفنه فيها فأصبح من النادمين.
وهذا كذلك من جزاء المعصية؛ فإنه تعلم من الغراب، والغراب صار أستاذه؛ لأنه بالذنب صار ذليلاً، فكفاه بذلك صغاراً وذلاً أنه يتعلم من الغراب، {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} [المائدة:31]، أي: أحس أن الغراب أشرف منه، وأنه وارى سوأة أخيه، {فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة:31] وهذه عاقبة المعصية.
قال الله عز وجل: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32] أعقب الله عز وجل هذه القصة بذكر أن بني إسرائيل كتب الله عز وجل عليهم أنه من قتل نفساً بغير نفس -أي: بغير استحقاق القتل- أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، أي: فإنه يحمل يوم القيامة إثم قتل الناس جميعاً، قال المفسرون: وإنما أعقب الله ذلك تعظيماً لجريمة القتل، ولكثرة الذنوب التي يتحملها القاتل، وإنما ذكر عز وجل بني إسرائيل لأنهم يكثر فيهم القتل، فانظروا كيف يفعلون في إخواننا بفلسطين، لا يكاد يمر يوماً أو ليلة حتى يقتلوا منهم العشرات وأحياناً المئات، فهم يتشوفون إلى سفك الدماء، ويكثرون من سفك الدماء، وهم الذين اجترءوا على قتل نبي الله زكريا، وابنه نبي الله يحيى، وأرادوا قتل عيسى عليه السلام، ولكن رفعه الله عز وجل إليه وما قتلوه يقيناً، بل أرادوا قتل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد سمت امرأة سلام بن مشكم اليهودية شاة وقالت: أي جزء من الشاة أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا لها: الذراع، فسمت وأهدتها للنبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الذراع يخبرني أنه مسموم).
كذلك في قصة إجلاء بني النضير، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى يهود بني النضير، يستعينهم على دية قتيلين في العهد الذي بينه وبين هذه القبيلة التي منها القتيلين، فقالوا: نعم، يا محمد! نجيبك إلى ما سألتنا، وخلا بعضهم مع بعض وقالوا: لا تجدون الرجل على هذه الحال، من منكم يصعد على بيت بني فلان فيلقي عليه صخرة عظيمة فيريحنا منه؟ فأخبر الله النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي وحاصرهم حتى أجلاهم عن مدينته.
فكثر من بني إسرائيل جريمة القتل، قال عز وجل: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32].
كذلك في هذه القصة عقوبة الذين يسنون السنن السيئة، كأهل البدع والذين يشيعون الفواحش فيحملون مثل أوزارهم في ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الآول كفل من دمها).
فالذين يسنون السنن السيئة والذين يشيعون الفواحش والذين يبتدعون في دين الله عز وجل فيتبعهم الناس على ذلك فإنهم يحملون أوزارهم وأوزار من يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون.
قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها)، فكيف تكون ذنوب هذا الرجل يوم القيامة؟! فما قتلت نفس في الأرض إلا وتحمل إثماً من قتلها؛ لأنه أول من سن القتل.
وفي ذلك كذلك بيان كيف يدفع الحسد أصحابه، وقد حسد إخوة يوسف يوسف وهموا بقتله، ولكنهم عدلوا عن ذلك فألقوه في غيابة الجب، من أجل أن يلتقطه بعض السيارة، قال صلى الله عليه وسلم: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، ألا إنها هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين).
اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت.
اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يا رب العالمين! ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.
اللهم عليك باليهود الغاصبين، والأمريكان الحاقدين، ومن والاهم من المنافقين والعلمانيين، والذين يشيعون الفواحش في بلاد المسلمين،