(وحين كان الصحابة في طريقهم إلى تبوك أصابتهم مجاعة فاستأذن بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ينحروا النواضح -أي: الجمال- فأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثم أتى عمر فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فعلت ذلك يا رسول الله! قل الظهر، ولكن أرى أن تجمع ما عند الناس من أزواد، وأن تدعو فيه بالبركة، فعسى الله عز وجل أن يجعل فيه من البركة، فقال: نعم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنطع فبسط، ثم أمر من كان عنده شيء من الطعام أن يأتي به، فكان الواحد يأتي بكسرة خبز أو بكف تمر، فجمع من ذلك شيئاً يسيراً، ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبركة، فعظم الطعام جداً، فملئوا جميع الأوعية التي معهم وأكلوا وشبعوا).
وعند حفر الخندق عباد الله! رأى جابر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا ما ذاقوا ذواقاً -أي: طعاماً- منذ يومين أو ثلاثة، رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعصب على بطنه حجراً، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، ورجع إلى امرأته وقال: (رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم منظراً لم يكن لي صبر عليه، ثم سألها: ما عندك؟ قالت: عناق -أي: شاة صغيرة- وشيء من شعير، فأمرها فذبحت العناق، وطحنت الشعير، ثم ذهب جابر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: طعيم لك يا رسول الله! ولرجل أو رجلين من أصحابك، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم كم هو فأخبره فقال: كثير طيب، ثم أمر جابر أن يأمر امرأته أن تترك اللحم في البرمة، وأن تترك العجين دون أن تخبزه، وذهب النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار فكانوا يدخلون بيت جابر رضي الله عنه عشرة عشرة، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تضاغطوا، وأطعم النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار من هذا الطعام القليل ببركته صلى الله عليه وسلم، وبقيت بقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر: كلي وأطعمي وتصدقي؛ فإن الناس قد أصابتهم مجاعة).