قوله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [يس:30]، قال الرازي: ثم قال تعالى: ((يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ)) أي: هذا وقت الحسرة، فاحضري يا حسرة، والتنكير للتكثير، يا حسرة كثيرة، يعني: على العباد.
فيه مسائل: المسألة الأولى: الألف واللام في (العباد) يحتمل وجهين: ((يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ)).
أحدهما: للمعهود الذين أخذتهم الصيحة، فيا حسرة على أولئك، فالألف واللام للمعهود، يعني: العباد الذين أخبر الله عز وجل عنهم بأنهم كذبوا الرسل وأهلكهم الله عز وجل.
وثانيها: لتعريف الجنس، جنس الكفار المكذبين، فقال: المكذبين للتعريف، كأنه قال: العباد المكذبين.
المسألة الثالثة: من المتحسر؟ نقول فيه وجوه: الأول: لا متحسر أصلاً في الحقيقة؛ إذ المقصود بيان أن ذلك وقف طلب الحسرة، حيث تحققت الندامة عند تحقق العذاب.
الثاني: أن قائل: يا حسرة هو الله على الاستعارة؛ تعظيماً للأمر وتهويلاً له.
الثالث: المتلهفون من المسلمين والملائكة، يعني: من المؤمنين والملائكة يقولون: يا حسرة على العباد إلى أن قال رحمه الله: ثم بين تعالى سبب الحسرة بقولهم: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الحجر:11]، وهذا سبب الندامة؛ وذلك لأن من جاءه ملك من بادية، وأعرفه نفسه، وطلب منه أمراً هيناً فكذبه ولم يجبه إلى ما دعاه، ثم وقف بين يديه وهو على سرير ملكه فعرفه أنه ذلك، يكون عند ذلك من الندامة ما لا مزيد عليه.
يعني: لأنه لم يفعل هذا الأمر الهين الذي لو فعله لاستحق الجائزة، وكذلك هو متعرض للعقوبة؛ لأنه لم يفعل ما أمره به الملك فكيف تكون الحسرة في هذا الشرع.
ثم يقول: فكذلك الرسل هم ملوك وأعظم منهم، بإعزاز الله إياهم وجعلهم نوابه، كما قال تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]، فهؤلاء جاءوا وعرفوا بأنفسهم ولم يكن لهم عظمة ظاهرة في الحس، ثم يوم القيامة أو عند ظهور البأس ظهرت عظمتهم عند الله لهم، وكان ما يدعون إليه أمراً هيناً نفعه عائد إليهم من عبادة الله، وما كانوا يسألون عليه أجراً، فعند ذلك تكون الندامة الشديدة، وكيف لا وهم لم يقتنعوا بالإعراض حتى آذوا واستهزءوا واستخفوا واستهانوا