طلب السعادة في الشهادات والمناصب

هل السعادة في الشهادات، وأنه يصبح للإنسان شهادة ودرجة عالية؟ يقول: (إذاً: أين السعادة؟ ربما كانت في نيل أعلى الشهادات، في أن يصبح الإنسان دكتوراً!).

يعني: عندما كنا في الجامعة كان كثير من الطلاب غاية أمله أن يكون دكتوراً في الجامعة، هذا غاية ما يصبو إليه، ويواصل الليل بالنهار في المذاكرة والعمل من أجل هذه الغاية؛ لأنه يتصور أنه إذا صار دكتوراً في الجامعة سيكون من أعلى الناس منزلة ومن أسعد الناس.

يقول: (ربما كانت في نيل أعلى الشهادات، في أن يصبح الإنسان دكتوراً، لكني أقول لكم بكل ثقة: لا، ولنقف قليلاً مع ما يبرهن على هذا بجلاء ووضوح، إليكم هذه القصة الحديثة التي نشرتها مجلة اليمامة: طبيبة تصرخ تقول: خذوا شهاداتي وأعطوني زوجاً! انظروا كيف تقول هذه الطبيبة، تصوروا دكتورة في الطب، وربما كانت في نظر كثير من الناس سعيدة جداً).

ثم يقول: (إذاً: لعل أصحاب السعادة هم أصحاب المناصب العالية المرموقة من قادة ووزراء وغيرهم؟ غير أني أقول لكم: لا، أتدرون لماذا؟ لأن المسئولية هم في الدنيا، وإن لم يقم صاحبها بحقها فهي حسرة وندامة يوم القيامة.

صاحب المنصب والسلطان لا يفارقه الهم خوفاً من زواله، تجده يشقى للمحافظة عليه، وإذا زال منصبه ولابد أن يزول عاش بقية عمره تعيساً، والمنصب قد يكون سبباً في هلاك صاحبه، ولذلك يعيش في خوف وقلق دائمين.

وكفانا على ذلك قصة فرعون وهامان صاحبي المناصب العالية المرموقة اللذان خلد القرآن قصتيهما.

أما في العصر الحاضر، فأسرد لكم أمثلة سريعة: المثال الأول: شاه إيران الرجل الذي أقام حفلاً ليعيد فيه ذكرى مرور ألفين وخمسمائة سنة على قيام الدولة الفارسية، وأراد أن يبسط نفوذه على الخليج، ثم على العالم العربي بعد ذلك، ليلتقي مع اليهود، ذلك الرجل الذي كان يتغنى ويتقلب كالطاوس، كيف كانت نهايته؟ لقد تشرد، طرد، ولم يجد بلداً يأويه، حتى أمريكا التي كان أذل عميل لها).

يعني: حتى أمريكا رفضت أن تستقبل هذا الشاه المجرم، واستقبلته مصر، وكانت تفتخر بأنها استقبلت شاه إيران المخلوع.

يقول: (وظل على هذه الحال حتى مات شريداً طريداً في مصر، بعد أن أنهكه الهم، وفتك به السرطان.

أما أولاده وأهله وحاشيته فقد أصبحوا أشتاتاً متفرقين في عدة قارات! المثال الثاني: رئيس الفلبين.

هذا الرجل الطاغية ماذا حدث له؟ لقد قلبت نظري كثيراً في قصته، فوجدتها جديرة بأخذ العبرة منها، هذا الزعيم أذاقه الله غصص التعاسة والشقاء في الدنيا قبل الآخرة، فإذا به بين عشية وضحاها يتحول إلى شريد طريد يتنكر له أسياده وأصدقاؤه، ولا يملك الرجوع إلى بلد كان يرتع فيه كما يشاء، حتى إذا جاءت وفاته لم يستطع أن يحصل على أشبار قليلة في بلده يواري فيها سوأته، فسبحان مالك الملك! المثال الثالث: بوكاسا، وما أدراك ما بوكاسا! الذي صدر نفسه إمبراطوراً، وما زلنا نذكر صورته وأفعاله في أفريقيا الوسطى.

يقول: (عندما زار فرنسا، قام عليه انقلاب، فتشرد في فرنسا حتى ضاقت به الأرض، فجاء إلى بلده باسم مستعار).

يعني: أراد أن يدخل بلده فزيف جوازه ودخل باسم مستعار فكشف.

قال: (فقبضوا عليه، وحوكم في بلده.

ولا أعلم الآن أقتل أم لم يقتل؟ لكن المعلوم أنه أصيب بعدة أمراض: أهونها أمراض التعاسة والهم والغم، في البلد الذي نصب نفسه إمبراطوراً له.

هذه بعض الأمثال السريعة، وما أكثر أمثال هؤلاء الذين ذكرت من السابقين واللاحقين، تجري فيهم سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير.

إذاً: هذه السعادة الوهمية التي يتصور الناس أنها حقيقة السعادة، كثير من الناس يبدو لأول وهلة أنهم سعداء، وهم في الواقع يتجرعون غصص الشقاء والبؤس والحسرة.

يصور هذا المعنى الشاعر حمد الحجي رحمه الله في قصيدة له فيقول: وما لقيت الأنام إلا رأوا مني ابتساماً ولا يدرون ما بي أظهر الانشراح للناس حتى يتمنوا أنهم في ثيابي ثم يقول: ولو دروا أنني شقي حزين ضاق في عينه فسيح الرحاب لتناءوا عني ولم ينظروني ثم زادوا نفورهم في اغتيابي فكأني آتي بأعظم جرم لو تبدت تعاستي للصحاب هكذا الناس يطلبون المنايا للذي بينهم جليل المصاب ومن أوضح الأمثلة على السعادة الوهمية ما تعيشه أوروبا، وبخاصة الدول الإسكندنافية، فهي أغنى الدول)، مثل السويد وغيرها من الدول.

يقول: (فهي أغنى الدول، سواء على مستوى الدولة، أو على مستوى دخل الفرد، ومع ذلك فهي تمثل أعلى نسب انتحار.

فدولة السويد مثلاً هي أغنى دولة من حيث دخل الفرد، ولكنها أعلى دولة في نسب الانتحار، بينما نجد الدول الإسلامية -مع أن أكثرها فقيرة- تسجل أقل نسبة من نسب الانتحار في العالم).

يعني: يشكل الانتحار أعلى قمة الشقاء والعياذ بالله؛ لأنها ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم يجد شيئاً من السعادة، فهو يظن أنه قد يجد شيئاً منها بالموت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015