يبين الكاتب حفظه الله كيف أن الناس يسعون إلى السعادة، فيقول: (أما بعد: فمعاً أيها القارئ الكريم نلتقي في طريق من طرق الخير، ودرب من دروب المحبة، ومسلك من مسالك السعادة، أسأل الله أن يجعل هذا في موازين أعمالنا يوم القيامة.
أيها الأخ الكريم! هل السعادة وهم أم حقيقة؟ ربما عجبت من هذا السؤال! نعم.
إن هناك سعادة وهمية، وسعادة حقيقية.
ولكن ما الداعي لتقليب صفحات هذا الموضوع، والخوض فيه؟) يبين صاحب الرسالة الأسباب التي دعته إلى طرح هذا الموضوع فيذكر منها: أن كل إنسان على هذه البسيطة يسعى إلى السعادة، قد يختلف الناس في مذاهبهم ويختلفون في أعرافهم ويختلفون في مشاربهم، بل قد يختلفون في مبادئهم وغاياتهم ومقاصدهم، إلا غاية واحدة ربما اتفقوا عليها من أولهم إلى آخرهم، إنها طلب السعادة.
فالمؤمن يطلب رضا الله: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل:19 - 20]، ومع ذلك أيضاً يسعى للسعادة، يسعى للنجاة من النار والفوز بالجنة، ويسعى للحياة الطيبة في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح.
والكافر يشترك مع المؤمن في طلب السعادة، لكن لا يطلب رضا الله عز وجل، بل يعبد هواه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان:43].
قال الحسن: هو الذي كلما هوى شيئاً ركبه.
يعني: كلما زينت له نفسه فعل شيء فعل هذا الشيء، فليس له غاية إلا السعادة، مع أنه أخطأ طريقها فلم يجد شمها ولم يذق طعمها الحقيقي.
ثم يقول: (المؤمن والكافر، البر والفاجر، كل واحد منهم يريد السعادة، لو سألته: لم تعمل هذا؟ ولأي شيء تفعل ذاك؟ لقال: أريد السعادة! سواء أقالها بحروفها أم بمعناها، بمدلولها أو بحقيقتها.
ثم ذكر السبب الثاني وهو أن كثيراً من الناس يخطئ طريق السعادة، كل الناس يريدون السعادة، ولكن كثيراً منهم يخطئ هذا الطريق، بل إن القلة القليلة هي التي تسلك سبيل السعادة الحقيقية.
وعند السبب الثالث بين أنه سبب هام جداً فقال: السبب الثالث: وهو سبب جوهري -أرجو أن ينال عنايتكم وانتباهكم- وهو أن كثيراً من المسلمين -وأخص الدعاة منهم- عندما يرون أصحاب السعادات الوهمية، يكون هذا الأمر عائقاً لهم عن الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، فالداعية إلى الله سبحانه وتعالى يصاب في طريقه بعقبات، وهذا شأن طريق الدعوة، وهو بحاجة إلى من يثبته على هذا الطريق، ولكنه يرى كثيراً ممن يتصور خاطئاً أنهم أصحاب سعادات، يراهم يعيشون في قمة السعادة، وهنا يحدث له الضعف والوهن في طريقه إلى الله سبحانه وتعالى، فيقول له الشيطان: ألا تكون مثل هؤلاء، ألا تعيش السعادة الحقيقية مثل هؤلاء؟ فيضعف عن الطريق.
وكم من مستقيم ضل وانحرف عن الطريق قبل وفاته! كم من رجل كان يعيش السعادة الحقيقية، ثم انتقل منها إلى السعادة الوهمية، فلم يحقق السعادة في الدنيا، ولن يحققها في الآخرة! ومن هنا -أيها الإخوة- كتبت لكم عن السعادة، لنقف وقفات متأنية علنا نتبين حقيقتها، وهم هي أم حقيقة؟).