إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً.
أما بعد: فقد جعل الله عز وجل السعادة وصفاً على أهل الإيمان والعمل الصالح، فقال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، فإذا حصل العبد أسباب الإيمان فزكى نفسه وطهر قلبه فإنه يجد السعادة المنشودة والدرة المفقودة، وكلما اكتمل إيمانه وأشغل قلبه وجوارحه بطاعة الله عز وجل وجد السعادة في الدنيا قبل الآخرة.
سأنقل لكم كلاماً من رسالة (السعادة بين الوهم والحقيقة) للدكتور ناصر بن سليمان العمر، وهي في الواقع من أحسن وأروع ما كتب عموماً، وفي هذا الموضوع خصوصاً؛ لذلك سأنقل عبارات منها بالنص.
تكلم الدكتور ناصر العمر عن شقاء أصحاب النار وأصحاب الشقوة وأصحاب الجهل، وبين طريق السعادة في أمور الإيمان، والتسليم لقضاء الله عز وجل وقدره، ولكن كان ينقص الرسالة أن يحكي أيضاً عن أهل الإيمان والعمل الصالح، كيف وجدوا السعادة! فهذا جزء مفقود في هذه الرسالة، ولو اكتملت لكان فيها خير كثير، فإن شاء الله ننقل كلمات من الرسالة، ثم نكمل ما شاء الله عز وجل من بيان حال أهل الإيمان في الوصول إلى السعادة الحقيقية، فقد بين المؤلف هنا كيف أن أهل الدنيا توهموا السعادة في أشياء وساروا خلفها، فما حصلوا إلا الشقاء حتى ماتوا بحسرتهم، ولم يجدوا السعادة ولم يجدوا طريقها.
ثم بين أسباب السعادة الحقيقية، ولكن كان الأكمل أن يحكي عن أهل الإيمان وعن العلماء وعن العباد وعن أهل الخير والصلاح كيف وجدوا السعادة! وكيف حكوا عن هذه السعادة التي يجدونها في الدنيا قبل الآخرة، والله عز وجل جعل قلب الإنسان منشرحاً بالقرآن وبالإسلام، فقال عز وجل: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22].
وقال عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125].
يعني: أن صدر الإنسان المريد للهداية ينشرح وينفتح بالإسلام، بينما المريد للضلالة فهو كالذي يتصعّد في السماء فيختنق؛ لأن نسبة الأكسجين تقل في طبقات الجو العليا، فكلما انخفض خف الاختناق.
إذاً: من يرد الله عز وجل أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً، فلا يتسع للإسلام ولا ينشرح بالإسلام، بل تُحبس عنه أسباب الحياة؛ لأن الإسلام هو الروح وهو النور، كما قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].
وقال عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]، فكل من وجد طعم الإيمان ووجد طريق السعادة الحقيقية يحس أنه كان في وهم وفي خيال، وأنه كان ميتاً قبل أن يشرح الله عز وجل صدره للإسلام، فما أضيق وأحرج هذه الحياة التي يعيشها أهل الدنيا، والتي يسيرون فيها خلف الشهوات الزائفة، وخلف السعادة الموهومة.