ثم شرع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في بيان صفات العلماء الربانيين الذين يقومون بحق هذا الدين وبالدعوة إلى هذا الدين، فيقول: اللهم بك لن تخلوا الأرض من قائم لله بحججه لئلا تبطل حجج الله وبيناته.
وفيه إشارة إلى الحديث الصحيح: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
فلا بد أن تكون هناك طائفة من الأمة ترفع راية السنة، وتقيم الحجة على عباد الله، وهؤلاء لا يتركون الساحة خالية، بل الله عز وجل يوفق لهم من هو مثلهم، ومن يسير على دربهم، ومن يأخذ علمهم، ومن يتناول الراية منهم، فيقول علي رضي الله عنه: اللهم بك لن تخلوا الأرض من قائم لله بحججه لئلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدراً.
فهم قليل، ولكنهم هم الأعظم عند الله قدراً: بهم يدفع الله عن حججه وبيناته، حتى يودعوها نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر.
أي: علموا الدنيا وحقارتها وزوالها وعلموا الآخرة وبقائها: فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، فصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى.
فهم مع الناس ينظرون إليهم ولا يرونهم، يسمعون كلامهم ولا يعونه، ولكنهم بقلوبهم يسبحون مع الأرواح العلوية حول العرش.
فاستلانوا ما استوعر منه المترفون من طريق الدعوة إلى الله عز وجل لأن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، فسلكوا طريق الدعوة وتحملوا الصعاب، وبذلوا لإعلاء دين الله عز وجل.
ثم قال: استلانوا ما استوعر منه المترفون، وأنسوا بما استوحش به الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك هم خلفاء الله في أرضه، ودعاته إلى دينه، آه آه شوقاً إلى أولئك، وأستغفر الله لي ولك، إن شئت فقم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.