شروط التوبة

والتوبة لها شروط ستة: الشرط الأول: أن تكون خالصة لله عز وجل؛ فإن التوبة عبادة، بل هي من أحب العبادات إلى الله عز وجل، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه راحلته، فأيس منها، فأتى شجرة فجلس في ظلها، وقال: أجلس هنا حتى أموت).

والدابة والراحلة عليها طعامه وشرابه عليها أسباب الحياة: (وهو في أرض صحراء مهلكة، فبينما هو كذلك إذا هو بها أمامه فأمسك بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).

فالتوبة عبادة تفتقر إلى ما تفتقر إليه سائر العبادات من الإخلاص لله عز وجل.

الشرط الثاني: أن يقلع العبد عن الذنوب، فتستحيل التوبة مع المداومة على مقارفة الذنوب.

الشرط الثالث: أن يندم على فعلها، والندم توبة، والذنب إما أن يحرق بنار الندم في الدنيا، أو يحرق بنار الآخرة.

الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود.

وقال بعض العلماء: إن عاد إلى الذنب مرة ثانية تبين بأن توبته ليست صادقة.

والصحيح أن العزم على عدم العودة هو شرط التوبة وليس الشرط عدم العودة؛ لأنه كم من محب للصحة يأكل ما يضره.

وقيل للحسن: الرجل يعمل الذنب فيستغفر ثم يعود؟ فقال الحسن: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه، فلا تملوا من الاستغفار.

أي: أن العبد لو عزم على عدم العودة إلى الذنب ثم عاد إليه مرة ثانية، ثم علم أن الله لن يقبل توبته؛ لأنه عاد إلى الذنب لكان هذا يأساً من رحمة الله عز وجل، ولم يكن للعبد عند ذلك إلا سبيل الشيطان وسبيل المعاصي، فينبغي أن يعزم العبد عزماً أكيداً على عدم العودة.

الشرط الخامس: رد المظالم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات)، لا يكون التعامل بالعملة الصعبة، لا بالريال السعودي، ولا بالدولار، ولكن بالحسنات والسيئات في وقت لا يستطيع العبد أن يزيد في حسناته حسنة، ولا أن ينقص من سيئاته سيئة، فينبغي أن يرد العبد المظالم إلى أهلها، (من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فليتحلله اليوم من قبل ألا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات).

الشرط السادس: أن تقع التوبة في الوقت الذي تقبل فيه التوبة، قبل إغلاق باب التوبة، ويغلق باب التوبة على الخلق كلهم إذا طلعت الشمس من مغربها، فإذا جاء: {بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158].

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها).

وهي علامة كبرى من علامات الساعة، فإذا طلعت الشمس من مغربها أراد الناس كلهم التوبة، إذا رأوا الشمس تشرق من جهة المغرب فهذه علامة على اختلال النظام الكوني، وعلى قرب قيام الساعة، ولكن يغلق عند ذلك باب التوبة، ثم تخرج دابة من الأرض تكلم الناس، وتسم المؤمن على جبهته بأنه مؤمن، وتسم الكافر بأنه كافر، فمن لم يدخل في الإيمان قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل خروج دابة الأرض لا ينفعه الإيمان؛ لأن باب التوبة قد أغلق، باب التوبة الذي يظل مفتوحاً للخلق كلهم طوال الحياة الدنيا يغلق، وعند ذلك، {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158].

كذلك يغلق باب التوبة أمام كل عبد إذا بلغت روحه الحلقوم، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)، ما لم يصل إلى الغرغرة وإلى الحشرجة، فيظل العبد في غيه وفي إعراضه وفي معاصيه، ويسوف بالتوبة ويؤجل التوبة، وأكثر الناس يطلبون التوبة في الوقت الذي يغلق فيه باب التوبة: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء:18]، فسوى الله عز وجل بين من لم يتب عند موته وبين من يموت على غير توبة، فقال: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء:18].

وهذا فرعون أراد التوبة عندما عاين الغرق فقال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:90]، فرد الله عز وجل عليه فقال: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ ا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015