(إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) فالعبد لا يجوز له أن يسأل غير الله عز وجل؛ لأنه ليس هناك أحد قادر على جلب جميع المصالح ودفع جميع المضار إلا الله عز وجل.
قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:107]، فالله تعالى مالك خزائن السملوات والأرض، وهو وحده القادر على جلب النفع ودفع الضر، ومن دون الله عز وجل من الآلهة الباطلة لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم ضراً فضلاً عن أن يدفعوا عن غيرهم ضراً، أو يجلبوا لأنفسهم أو لغيرهم نفعاً، فهم عاجزون: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14].
فإذا سألت فاسأل الله، والسؤال عباد الله! إظهار نقص وفقر وذل وحاجة، والله عز وجل يريد من عبده المؤمن ألا يظهر نقصه وفقره وحاجته إلى غير الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة، ثم تلا قول الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]).
والله عز وجل غني كريم يحب من العباد أن يسألوه، وأن يطلبوا قضاء الحوائج منه سبحانه؛ لأنهم فقراء محاويج، ولأنهم مجبولون على الشح وعلى حب المال وحب الخير، فإذا سألت ابن آدم فإنه يغضب من ذلك، وإذا لم تسأل الله عز وجل يغضب، كما في الحديث: (من لم يسأل الله يغضب عليه).
كان أحد الناس يتردد على بعض الملوك فنصحه أحد العلماء وقال: يا هذا! تذهب إلى من يسد دونك بابه ويخفي عنك غناه، ويظهر لك فقره، وتدع من يفتح لك بابه ويظهر لك غناه، ويقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].
لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب قال: (وإذا استعنت فاستعن بالله)، خلق الله العبد ضعيفاً، ومن طبيعته أن يستعين بغيره؛ فإذا استعان بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق فهذا لا ينافي التوحيد، ولكن أن يستعين بمخلوق في أن يشفي له مريضه أو يرد له غائبه، أو يهدي له ضاله، فهذه استعانة شركية، فالاستعانة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل استعانة شركية.