التزكية عند أهل السنة والجماعة تزكية بالتوحيد أولاً؛ لأن أكبر نجاسة هي الشرك بالله عز وجل، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]، قلوبهم نجسة؛ لأنها مشركة وهذه النجاسة يقول الفقهاء: بأنها نجاسة معنوية، والدليل على ذلك أن ثمامة بن أثال شاعر بني حنيفة ربط في المسجد قبل أن يسلم من أجل أن يرى الصحابة وهم يصلون ويدعون الله عز وجل، ويمر عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (ما عندك يا ثمامة؟ فيقول: عندي خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن ترد المال فسل ما شئت، فيطلقه النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني أو الثالث فأسلم ثمامة بن أثال).
فلو كان الكافر نجساً نجاسة عينية؛ لنزه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه النجاسة، كذلك يجوز للمسلم أن يتزوج بالكتابية ولا يسلم من عرقها، والواجب عليه الغسل والطهارة كما هو الواجب على من تزوج بالمسلمة فهذه نجاسة معنوية كنجاسة الخمر، وطهارة هذه النجاسة ليست طهارة بالماء ولكنها طهارة بالتوحيد كما أرسل الله عز وجل موسى إلى فرعون يقول له: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:18 - 19] أي: تتزكى بالتوحيد ونبذ الشرك، {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:18 - 19].
وقال عز وجل: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:6 - 7]، استدل بعض العلماء بهذه الآية الكريمة على كفر مانع الزكاة، ولكن الصحيح والراجح أن الزكاة هنا هي التزكية بالتوحيد كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات:18] أي: تتزكى بالتوحيد ونبذ الشرك، فأكبر نجاسة هي نجاسة الشرك بالله عز وجل فتكون بداية التزكية عند أهل السنة والجماعة أن يبدأ العبد بالتعرف على الله عز وجل، والتعرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فهذه التزكية الأولى، تزكية بالتوحيد فلا يدعو غير الله لا يذبح لغير الله لا ينذر لغير الله لا يحلف بغير الله عز وجل لا يستغيث بغير الله عز وجل لا يعلق قلبه رجاءً أو خوفاً أو محبة أو توكلاً على غير الله عز وجل؛ لأن العبادة هي: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فلا إله إلا الله كلمة تخلع بها كل الأصنام وكل الآلهة الباطلة التي تعبد من دون الله عز وجل، فإن معنى لا إله إلا الله، أي: لا إله بحق أي: لا معبود بحق إلا الله عز وجل؛ لأن الإله من عبد بحق أو بباطل، فكل الآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل كالشمس والقمر، والبقر والنجوم والطواغيت والهوى والشياطين وغير ذلك مما يعبد من دون الله عز وجل كل هذه آلهة باطلة، والعرب يفهمون هذه الكلمة.
ولذلك ما أعطوها للنبي صلى الله عليه وسلم حتى علموا أنهم يقومون بحق هذه الكلمة فلا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله، وتوحيد الربوبية أن تعتقد أنه لا رب إلا الله والرب هو الخالق وهو الرزاق، وهو الذي يربي الناس بالنعم، وهو الذي يجمع الناس ليوم لا ريب فيه، وهو المشرع فلا يجوز أن تتحاكم إلى غير شرع الله عز وجل.
أو أن تعتقد أن غير الله عز وجل له حق التشريع فهذا توحيد الربوبية فلا رب إلا الله.
وتوحيد الأسماء والصفات أن تثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتاً بلا تشبيه، وأن تنزه الله عز وجل عن مشابهة المخلوقين تنزيهاً بلا أباطيل فهذا توحيد الأسماء والصفات أن تثبت لله عز وجل كلما أثبته لنفسه وكلما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس أحد أعلم بالله عز وجل بعد الله عز وجل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تنفي الصفات بدعوى تنزيه الله عز وجل ولكن يجب عليك أن تثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه، كما قال عز وجل: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140]، وقال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].
فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، رد على المشبهة الذين شبهوا الله عز وجل بخلقه، وقوله عز وجل: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، رد على المعطلة الذين عطلوا الله عز وجل عن صفات كماله فالله عز وجل سميع بصير، ولكن سمعه ليس كسمع المخلوق فإن سمع المخلوق محدود وبذبذبات معينة وعلى مسافة معينة، وليس بصره محدوداً كبصر المخلوقين في ظروف معينة كتوفر الضوء وتكون الأجسام على حجم معين فإذا كانت دقيقة جداً لا يراها، أو على مسافة معينة فإذا كانت بعيدة جداً لا يراها وإذا كان بينه وبين هذه الأشياء جدار ف