الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد: هذا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه يؤتى له بأسير من الفجار من بني حنيفة، فيؤخذ الأسير ويوضع في المسجد ويمر به النبي صلوات الله وسلامه عليه، والأسير اسمه ثمامة بن أثال فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عندك يا ثمامة؟ قال: إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تطلب المال فخذ منه ما شئت، وإن تعفو.
تعفو عن شاكر)، هذا أنا: إن قتلتني فقد قتلت منكم قبل ذلك فلك حق أن تقتلني، وإن تعفو.
تعفو عن شاكر، وسأعرف لك جميلك وأعرف لك صنيعك، وإن تطلب المال فاطلب منه ما شئت، فلم يطمع النبي صلوات الله وسلامه عليه في ماله، وإنما كان يحب أن يسلم الرجل، وأمرهم أن يطعموا الأسير ثم تركه، ومر به مرة أخرى، فقال: (ما عندك يا ثمامة؟ قال: هو ما قلت لك: إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن ترد المال فاطلب منه ما شئت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أطلقوا ثمامة).
لم يطلب منه مالاً ولم يقتله صلوات الله وسلامه عليه، بل أنعم عليه وتركه يذهب كافراً، فخرج ثمامة حتى إذا توارى اغتسل ورجع يظهر ويعلن إسلامه رضي الله تعالى عنه، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أخذت وقد كنت متوجهاً معتمراً إلى الكعبة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب ويعتمر، فلما ذهب إلى هنالك كان قلبه قد امتلأ بحب النبي صلوات الله وسلامه عليه، وحب هذا الدين، فقابله المشركون بقولهم: صبأت يا ثمامة؟ قال: بل أسلمت مع محمد صلوات الله وسلامه عليه، والله لا تأتيكم حبة حنطة ولا شعير من اليمامة إلا بموافقة محمد صلوات الله وسلامه عليه، دخل الإيمان قلبه، ولم يجبره النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام، بل أطلق سراحه وعفا عنه، فامتلأ قلب الرجل حباً للنبي صلوات الله وسلامه عليه.
أيها المؤمنون! وكيف لا تمتلئ قلوب المسلمين بحب النبي صلوات الله وسلامه عليه وقد شاهدوا من فضله وكرمه، وحسن خلقه وتنفيذه لأمر ربه، وتواضعه صلوات الله وسلامه عليه؟! كيف لا تمتلئ قلوبهم حباً له صلوات الله وسلامه عليه ودفاعاً عن دينه وقد رأوا كيف دافع عن دين رب العالمين حتى استقر هذا الدين ودخل في القلوب، فبلغ صلوات الله وسلامه عليه وأقر الحقوق، وأعطى الواجبات صلوات الله وسلامه عليه؟! قام في الناس مرة يسوي صفوفهم فإذا برجل يبرز صدره من بين الصفوف ومع النبي صلى الله عليه وسلم عصا صغيرة، فأشار بها إلى بطن الرجل ليرجعه، فإذا بالرجل يقول: (أوجعتني يا رسول الله! قال: فاستقد)، ظن أنه فعلاً أوجعه وما أوجعه صلوات الله وسلامه عليه، كيف يوجعه وهو يسوي الصف الذي فيه هذا الرجل؟ ثم كشف عن بطنه ليستقد الرجل، وليضرب بطن النبي صلى الله عليه وسلم كما زعم، فإذا بالرجل يخفض رأسه ويقبل النبي صلوات الله وسلامه عليه ويقول: هذا ما أردت، لم توجعن يا رسول الله، ولكن أردت أن أقبلك، هذا حب النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين، ليس حباً ساقهم إليه النفاق، كلا والله، وإنما حب ساقهم إليه رب العالمين سبحانه بحسن خلقه، بطيبة قلبه، بلينه قال الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159]، لذا دخل حبه قلوبهم صلوات الله وسلامه عليه، فنصروا دينه صلوات الله وسلامه عليه.
هذا رجل أعمى في عهد النبي صلوات الله وسلامه عليه، كانت امرأته يهودية وكانت به رحيمة، وكان له منها أولاد، وكانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ينهاها فلا تنتهي، وفي يوم من الأيام وجدوا هذه المرأة قتيلة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم من قتلها؟ فإذا بالرجل يقول: يا رسول الله! أنا قتلتها، كانت زوجتي، وكنت أحبها، وكانت بارة بي رحيمة، ولكنها كانت تقع فيك فتركه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقم عليه حداً.
فهؤلاء حب النبي صلى الله عليه وسلم قد ملأ قلوبهم.