الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: كتب على باب الجنة أنه لا يدخلها متكبر، فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن كل خلق لا يرضاه رب العباد سبحانه، ونسأل الله أن يجعلنا من المتواضعين الذين يمدحهم المولى عز وجل.
إن عباد الرحمن لهم ثلاث صفات: أول صفة فيهم هي صفة التواضع، قال ربنا: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63].
وسئل صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة؟ فقال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس).
(بطر الحق) يعني: إنكاره، ولذلك عندما تذهب لخطبة ابنة فلان من الناس أو أخته لشاب صاحب خلق ودين، وقلت: جئنا لنخطب ابنتك لهذا الشاب، فنريد أن تخفف المهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكثرهن بركة أيسرهن مهراً)، فإنه يقول لك: لا، هذا الكلام في المسجد.
فهذا نوع من الكبر جعله يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
(وغمط الناس) أن تعتبر نفسك أهم شخص والناس أمامك لا يساوون شيئاً، وكما قيل: أنت أمير وأنا أمير فمن الذي يسوق الحمير؟ كان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم مثالاً للتواضع، فقد كان الصحابة يريدون أن يمشوا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ووراءه وعن جنبه هكذا، فكان يقول لهم: سيروا أمامي ودعوا ظهري لملائكة ربي؛ تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم.
وصورة من صور التواضع الجم للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني آكل كما يأكل العبد، وأنام كما ينام العبد، وأجلس كما يجلس العبد، ما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة).
وهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث لـ سعد بن معاذ ثوب حرير هدية، فسيدنا سعد باع الثوب الحرير واشترى به ستة عبيد وأعتقهم، فسيدنا عمر بلغه الأمر، فأخذ ثوباً ثمنه أقل من الثوب الأول قليلاً وأرسل به إلى سعد، فـ سعد جاء مغتاظاً وقال: يا أمير المؤمنين! ما الذي صنعت؟ قال: أرسلت لك بديلاً لتعطيه لامرأتك أو لابنتك أو للجارية التي عندك، قال: ولكني أقسمت مغتاظاً أن أضرب رأسك بهذا الثوب، فقام سيدنا عمر وقال له: وهذا رأسي فافعل به ما تشاء.
ونظر سيدنا عبد الله بن عمر إلى أبيه وهو آخذ قربة ماء على ظهره أيام خلافته، فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: رأيت الناس يأتوني من كل حدب وصوب ويقولون: يا أمير المؤمنين! يا أمير المؤمنين! فأرادت نفسي أن تستشرف، فأردت أن أضعها مكانها.
ولذلك روي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً في جماعة من أصحابه فذكروا رجلاً وأكثروا الثناء عليه، فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم الرجل ووجهه يقطر ماء من أثر الوضوء، وقد علق نعله بيده، وبين عينيه أثر السجود، فقالوا: يا رسول الله! هو هذا الرجل الذي وصفناه، فقال صلى الله عليه وسلم: أرى على وجهه سفعة من الشيطان، فجاء الرجل حتى سلم وجلس مع القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نشدتك الله هل حدثت نفسك حين أشرفت على القوم أنه ليس فيهم خير منك؟ فقال: اللهم نعم).
هذا هو التكبر والعجب، فأين التواضع الذي وصف به عباد الرحمن في قوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63].
ويقول سيدنا علي: يا بن آدم علام الكبر وأنت الذي تنتنك عرقة، وتميتك شرقة، وتقلقك بقة!! أخي المسلم لقد أكرمك الله بدين عظيم فكن متواضعاً مع عباد الله، والتواضع هذا يجعل نفسيتك طيبة، ويجعلك لا تنافق أحداً؛ لأنك متواضع لله، وجاء في الحديث: (أقربكم مني مجالساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، والموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون).
اللهم اجعلنا من أهل التواضع يا رب العالمين.