الشرط الثاني: التصديق التام بكل ما جاء به رسول الله: فمثلاً: كان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم له في كل وقت ذكر، وكان في كل حركة من حركات حياته صلى الله عليه وسلم مرتبطاً بالسماء، فأول ما يفتح عينيه ينطق بالشهادتين: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور) (أصبحنا وأصبح الملك لله، وأمسينا وأمسى الملك لله).
كذلك كان إذا دخل الخلاء يقدم رجله اليسرى ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) والخبث: ذكور الشياطين، والخبائث: إناث الشياطين.
وإذا خرج قال: (غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأبقى علي ما ينفعني).
ولذلك دخل رجل على هارون الرشيد وقال له: يا هارون! لو منع منك كوب الماء بكم تشتريه؟ قال: أشتريه بنصف ملكي، قال له: وإذا دخل كوب الماء بطنك ولم يخرج فكم تدفع ونخرج لك البول؟ قال: نصف ملكي الآخر، قال: تباً لملك لا يساوي شربة ماء لم تدخل، وشربة ماء لم تخرج.
وقال هارون الرشيد لـ أبي حازم: يا أبا حازم! ما أزهدك! قال: أنت يا أمير المؤمنين أزهد مني، قال له: أنا! قال له: نعم، أنا زهدت في الفاني، وأنت زهدت في الباقي! أي: أنا زاهد في الدنيا، لكن أنت زاهد في الآخرة! وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إذا لبس ثيابه: (الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به أمام الناس) وإذا خرج إلى المسجد قال: (باسم الله، التكلان على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، أو أكسب سوءاً أو أجره إلى أحد من المسلمين) فيخرج وهو في حماية الله.
ويقف على بابك ملك وشيطان، فإن خرجت في سبيل الله يظل الملك معك حتى ترجع، وإن خرجت إلى معصية الله يخرج الشيطان معك حتى ترجع، وإن للملك لمة، وإن للشيطان لمة، أما لمة الملك فإيعاد بالخير، وأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر.
والعياذ بالله رب العالمين! ولذلك يقال: إن شيطان المؤمن وشيطان الفاجر والفاسق والكافر التقيا، فشيطان المؤمن كان نحيفاً وهزيلاً، وشيطان الكافر كان سميناً، فقال له: ما لك نحيف؟ فقال له: وما لك أنت سمين؟ فقال: أنا جالس مع شخص عندما يأكل لا يسمي ربنا، ولا يستعيذ بالله مني؛ فآكل معه، وعندما يشرب أشرب معه، وعندما ينام أنام معه، فأنام وصحتي جيدة.
لكن أنت ما لك هكذا نحيف؟ قال له: أنا أعيش مع شخص إذا أكل سمى الله فلا آكل، وإذا شرب سمى الله، فلا أشرب وإذا دخل البيت سمى الله، فأطرد خارج البيت، وأنام في البرد؛ ولذا بقيت هكذا نحيفاً.
فيا ترى، هل تريد أن تجعل الشيطان نحيفاً أم غير ذلك؟! سيدنا علي رضي الله عنه دعا له الرسول دعوة فقال: (اللهم قه شر الحر والقر)، والقر: هو البرد، فكان سيدنا علي في عز الصيف لا يحس بالحر، وفي عز الشتاء لا يحس بالبرد! وسيدنا الحبيب كان يحب علياً، وكان سيدنا علي أشجع العرب، كان يشبه سيدنا الحبيب في الطول والعرض، فلم يكن طويلاً ولا قصيراً، ولا نحيفاً ولا سميناً، وكان ربعة بين الرجال، ولكن كان الحبيب أبيض مشوباً بحمرة، وكان سيدنا علي يميل إلى السمرة هو وسيدنا عثمان، وكان سيدنا عمر أبيض، وكذا سيدنا أبو بكر، لكن سيدنا أبو بكر كان قصيراً غزير الشعر، إذا تركه ينزل على أذنيه من كثرته وغزارته، وسيدنا عمر كان أصلع، وسيدنا عثمان كان متوسط الشعر، وسيدنا علي كان أصلع ليس له إلا شعيرات في مؤخرة رأسه رضي الله عنهم جميعاً.
وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دائماً يداعب علياً كرم الله وجهه.
ونحن نقول: كرم الله وجهه؛ لأنه لم يسجد لصنم قط، وقد أسلم علي ولم يكن قد بلغ الحلم، فلما رآه أبوه أبو طالب يصلي قال له: ماذا تصنع يا علي؟ قال له: اتبعت دين محمد، فقال له أبو طالب: والله! لا يأمرك إلا بخير، فكن معه يا علي.
ومن أجل هذا يخفف ربنا عن أبي طالب العذاب بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: إن أخف الناس عذاباً في جهنم أبو طالب وقال: (يلبس نعلين من نار يغلي منهما دماغه).