وأما الحسد: فهو أن تتمنى زوال نعمة الغير، يقول الإمام الشافعي: ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض لي ما وهب فجزاك ربي بأن زادني وسد عليك وجوه الطلب الحسود عنده مصيبتان: المصيبة الأولى: أنه ناقم على عدل الله في الكون؛ لأنه غاضب أنك أخذت وظيفة وهو لم يأخذ، أو أخذت رتبة أكبر منه، أو أن الناس يحبونك ولا يحبونه، أو يقبلون عليك ولا يقبلون عليه.
وأما إن كان يرى في نفسه كفاءة لهذا فهذه مصيبة أخرى؛ فقد جمع حسداً مع كبر.
المصيبة الثانية: أنه يأكل نفسه إذا رأى نعمة جاءت إلى غيره، وأنت خالي الذهن منه، يعني: أنت نائم في بيتك ومستريح أن جاءك الخير، والناس يحبونك ويستمعون إليك، وأخذت وظيفة أو مركزاً اجتماعياً أو خيراً معيناً، وهو لم ينله هذا كله، فيتقطع حسداً وغيظاً، ولذا قال العلماء: اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله أي: كمثل شخص معه كرة قوية، فمن غيظه يضربها في الحائط بقوة، فترتد بنفس القوة على وجهه.
والحسود ليس عنده مقام الرضا، كشارب البحر، فشارب البحر لا يزيده الشرب إلا عطشاً، فهو كلما وجد نعمة عند الغير تقطع حسداً أو غيظاً، ويزداد كلما ازدادت النعمة على الغير.
وليس من الحسد أن أتمنى أن أكون مثل فلان، فهذا حق مشروع؛ لأن هذه غبطة لا حسد، والغبطة: هي تمني مثل تلك النعمة مع عدم تمني زوالها.
وألأم الحاسدين من يتمنى أن يكون صاحب النعمة مثله، والعرب كان عندهم فريق من الحساد، هذا هو عملهم، أي: الحسد، فيقولون له: تعال نريد منك أن تحسد ناقة فلان! فيقول له الحاسد: أشر إليها، فينظر إليها نظرة ويقول: يا غلام! ائتني بجزء من لحمها، فبعد خطوات تقع الناقة صريعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر)، ولكن نحن لا نعول على الحسد كثيراً؛ حتى لا تكون حياتنا رهينة لفلان.
وإذا اكتشفنا أن فلاناً حسود بطبيعته، أو يظهر هذا عليه، فأول ما نراه نقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وهذه تبطل الحسد إن شاء الله، ونكبر، كما ورد في سورة الكهف: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:39].
وإذا أراد إنسان من نفسه ألا يحسد أحداً فكذلك يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وكلما رأى نعمة مثل أن يسمع أن هناك ولداً صغيراً يحفظ القرآن، فإنه يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أو ما شاء الله تبارك الله، وعندما يرى بيتاً جميلاً، يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أما من أين هذا؟ وكيف حصلتم عليه؟ ونحو ذلك، فلا داعي له، ولا نريد أن نخوض في قضية الحسد كثيراً؛ لأنه موضوع كبير.
أما الغبطة فهي مشروعة، فالمؤمن يغبط والمنافق يحسد.
وماذا يصنع المؤمن إذا أعجبه شيء؟ يقول: اللهم ارزقني كما رزقت فلاناً.
وقد قال الله تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:32].
لأن الذي أعطى هذا المال هو الله سبحانه، فخزائنه لا تنفد، فإن أعطاه علماً أسأله سبحانه أن يعطيني، وأتمنى له الخير، والله سيزيدني، وأشكر ربنا على النعمة، وعندما نجد علامة أو رجلاً ثرياً يوجه ماله للخير، أو حاكماً صالحاً يعمل خيراً، فندعو له ونقويه لا أن نحطمه.