ولقد قسمنا من قبل السائرين في الطريق إلى الله إلى أقسام ثلاثة، وضربنا لكم مثلاً: برجل غني أو أمير أو رئيس أو وزير أو ملك جاء بعمال يصنعون له في بيته شيئاً، وبعد أن وزع الأعمال عليهم صباحاً تركهم فانقسم العمال ثلاثة أصناف: الصنف الأول قال: طالما أنني سوف آخذ أجراً فيجب أن أعمل بجد وإخلاص، سواء كان صاحب العمل يراني أو لا يراني، فهذا الصنف يعمل بجد من طلوع الشمس إلى مغيبها لا يكل ولا يستريح.
الصنف الثاني: يعمل ساعة ويستريح ساعة؛ لأن صاحب العمل غير موجود.
الصنف الثالث قال: إن صاحب العمل غير موجود ولا يراني فسوف أنام طوال النهار وأكسب صحتي وأوفر جهدي؛ لأن عندي عملاً بالليل سوف أقوم به في مكان آخر، وآخر اليوم سوف آخذ أجري، كالمدرس المهمل الذي يقول: لو نجح الفصل كله فمرتبي كما هو، ولو رسب الفصل كله فمرتبي كما هو، إذاً أنام فيرسب الفصل كله؛ لأنني لا أريد أن أتعب.
في آخر النهار اكتشف العمال جميعاً وهم الأصناف الثلاثة أن صاحب البيت ناظر إليهم يراهم من فوهة وهم لا يرونه، فهو يراهم ويرى أعمالهم منذ صبيحة اليوم إلى مغرب الشمس، فمن عمل بجد فله أجره؛ لأن صاحب العمل كان يراه بعينه، والذي قصر بعض الساعات ندم وعض أصبع الندم، والذي نام طوال اليوم كان له الخسران والخزي، فلم يعطه صاحب العمل أجراً.
ولله المثل الأعلى، فهو مالك الدنيا وخالقها، فالله سبحانه أوجدنا في الدنيا وقال: يا عبادي اتقون، يا عبادي انزلوا إلى الدنيا بعضكم لبعض عدو، أي: نحن والشيطان وسائر الشياطين أعداء بعضنا لبعض، سواء شياطين الإنس أو شياطين الجن.
إذاً: العابدون يعبدون الله عز وجل على أن الله يراهم، وهم يعبدونه على درجة الإحسان، والإحسان هو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
فأنا في الدنيا يجب أن أعلم أن الله ناظر إلي من صبيحة اليوم إلى مغربها، وبالليل أيضاً يراني، لا يعزب عن الله مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا يغفل رب العباد سبحانه فلا تأخذه سنة ولا نوم، قيوم السماوات والأرض، ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم.
فالله عز وجل ناظر إلى عباده في الدنيا منذ أن أوجدوا فيها إلى أن يموتوا، وهذا العمر كنهار العامل تماماً، يعني: منذ أن بلغت الحلم وكلفت أيها الإنسان -رجلاً كنت أو امرأة- فالله عز وجل ناظر إليك يرى ماذا تصنع.
فانقسمنا في أعمالنا لله ثلاثة أقسام كما انقسم العمال: قسم يعلم أن الله لا يغفل عنه؛ ولذلك هو يحب ربه، ويدعوه ليل نهار، ويعبده ليل نهار، ولا يغفل عن ذكره لحظة.
هذه الطائفة الأولى عندما يأتي يوم القيامة سوف يكونون من الفائزين الناجحين، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! القسم الثاني: من تأتيهم غفلة على مر الأيام والزمن ينامون عن العبادة، تجد الواحد منهم يقصر في صلاته وعبادته، ويغتاب هذا، ويتكلم في حق هذا، وينم في حق هذا، ويسيئ إلى هذا، ولكنه رغم ذلك يعمل بعض الحسنات، هذا ندمه يوم القيامة كثير.
القسم الثالث: من ينكر الآخرة أو يمني نفسه بالأماني، قال بعض السلف: إن قوماً قد غرتهم الأماني يقولون: نحسن بالله الظن، فوالله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
وجاء في الحديث القدسي: (لا أجمع على عبدي أمنين ولا خوفين، من أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة، ومن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة).