أيها الأخ المسلم الكريم! أنت في هذه الدنيا إما في حالة نعمة أو في حالة بلية، وتحدثنا كثيراً عن هاتين الحالتين، ولكن ننظر إليهما في هذه الخطبة وفي هذه الدقائق المعدودة من زاوية أخرى، عسى رب العباد أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يتم علينا وعليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن يصبرنا على ما ابتلانا إن ربنا على ما يشاء قدير.
أنت في الدنيا لست في دار تكريم، ولكن أنت في دار عناء وابتلاء واختبار، والبلاء كما قلنا من قبل: إما بلاء عام أو بلاء خاص، أو إن شئت فقل: بلاء مطلق أو بلاء مقيد، وهكذا أيضاً في النعم، فإما أن تكون النعمة مطلقة وإما أن تكون مقيدة ولنا مع كل حالة من هذه الحالات الأربع وقفة تختلف عن الأخرى.
أيها الأخ المسلم الكريم! بينك وبين الجنة قنطرة تستطيع أن تعبرها بخطوتين: خطوة عن نفسك، وخطوة عن الناس.
يعني: أن أهل الجنة في الدنيا أنواع ثلاثة: إما عابد، وإما زاهد، وإما صديق.
فالعابد من يعبد الله مع العلائق، والزاهد من يعبد الله بدون علائق، والصديق من يعبد الله على الرضا، هذا كلام ربما يكون ثقيلاً على الأسماع وسوف أبينه إن شاء الله رب العالمين، فاللهم علمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا يا رب العالمين.
فالدنيا جعلت مزرعة للآخرة، وأهل الآخرة الذين قال الله فيهم: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} [القصص:83] جعلت لأصناف ثلاثة: إما أن يكون عابداً.
وإما أن يكون صديقاً وإما أن يكون زاهداً.
فالعابد هو إنسان لا يرتكب الكبائر من الآثام والفواحش، ولكنه يتعرض لما يتعرض له البشر من اللمم ومن صغائر الذنوب، ولكنه يتوب أولاً بأول، فما بين الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، والحج إلى الحج، كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر؛ لأن أفضل ما يعبد الله به قلة الذنوب، وأفضل شيء يدخل السرور والانشراح على قلبك أن تكون قليل الذنوب كثير الحسنات.
اللهم اجعلنا قليلي الذنوب ومن التائبين عنها يا رب العالمين! فالإنسان العابد في الدنيا يأتمر بما أمر الله وينتهي عما نهى الله سبحانه، ثم هو بعد ذلك وقاف عند حدود الله، فهو يرى الله في كل خطوة وفي كل نظرة وفي كل كلمة وفي كل حركة وسكنة، فشغله الشاغل رضوان مولاه عز وجل.