أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: أبدأ هذه المحاضرة بشيء أستغرب له كثيراً، فكثيرًا ما نسمع من يسأل ما هي هوايتك؟ الحقيقة أنك تجد الناس تختلف كثيراً في إجابتها، فأحدهم يقول: أنا هوايتي السباحة، وآخر صيد الأسماك، وثالث السفر، ورابع القراءة، فكل إنسان يخبر عن هوايته، وهذا هو ما أستغرب له.
هل يصح أن يقول إنسان: أنا هوايتي -مثلاً- شرب الماء؟! كل الناس يشربون الماء، فهذه ليست هواية وإنما هي ضرورة.
ولا يصح أن يقال: أنا هوايتي الأكل! لأن كل الناس يجوعون ولا بد لهم أن يأكلوا، وربما تفضّل أكلة عن أكلة، لكن لا بد أن تأكل، أو أن تنام، أو أن تتنفس، ومن غير الممكن أن تعيش من غير هذه الأشياء.
وأنا أيضاً أرى أنه لا يصح أن تعيش من غير قراءة، يجب أن تقرأ ليس كتابًا أو اثنين فقط، يوم في الأسبوع أو شهر في السنة فحسب، بل يجب أن تكون القراءة منهج حياتك.
لا يمر عليك يوم دون أن تقرأ، وليست أي قراءة، لا بد أن تكون قراءة مفيدة، قراءة تبني ولا تهدم، قراءة تصلح ولا تفسد.
القراءة ليست هواية، فمن غير المناسب أن تقول أنا لا أحب القراءة، أو: لست متعوداً على القراءة، أو: أملّ سريعًا من القراءة، فهذا مثل الذي يقول: أنا أملّ من الأكل؛ لذلك فلن آكل! فهذا لا يصح ولا ينفع.
عندما تدرس السيرة النبوية تجد فيها أبعاداً ضخمة عن الظاهر البسيط لها، وعندما تتعمق فيها حينها ستعلم لماذا نقول أن القراءة ليست هواية، فعندما تقف وتتدبر بعمق شديد في موقف النزول الأول لجبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى أن أول كلمة يقولها جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط ملايين الكلمات التي من الممكن أن تقال في ذلك الوقت، يبدأ حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سيستمر مدة ثلاثة وعشرين سنة متصلة بكلمة واحدة هي: اقرأ! والغريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّيٌّ لا يقرأ! وأن أول كلمة تتوجَّه للرسول الذي لا يعرف القراءة هي اقرأ! والرسول الذي يتحلّى بآلاف الفضائل الحميدة، والخصال الكريمة كان من الممكن أن يبدأ رب العالمين سبحانه وتعالى بالحديث عن أحد هذه الصفات لكنه يبدأ بكلمة اقرأ! وكأنها تحمل منهج حياة أمة الإسلام، ومفتاح هذا الدين أن تقرأ.
والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة, فيردَّ بوضوح على جبريل ويقول: (ما أنا بقارئ).
والرسول عليه الصلاة والسلام ظن أن هذه الكلمة كافية لأن يبدأ جبريل عليه السلام في الكلام في موضوع آخر، أو على الأقل يوضح مقصوده من الكلمة.
لكن جبريل عليه السلام ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمة شديدة وقوية حتى بلغ الجهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يعيد عليه الأمر المختصر جداً: اقرأ فقط ولم يزد أي كلمة أخرى، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف ماذا يقرأ؟ ولا يعرف أصلاً من هذا؟ ولا ماذا يريد؟ ولا كيف جاء إليه في هذا المكان البعيد؟! هو لا يرى أمامه غير شخص واحد يؤكد على معنى معيّن واحد فقط لا ثاني له ولا ثالث وهو اقرأ! الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرة الثانية: (ما أنا بقارئ).
فيعود جبريل عليه السلام لنفس الفعل فيضم رسول صلى الله عليه وسلم ضمة قوية حتى يبلغ منه الجهد، ثم قال له للمرة الثالثة: اقرأ.
فقال صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ)، فضمه جبريل عليه السلام للمرة الثالثة ثم أرسله فقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5].
فقبل أن يخبره أنه ملك مرسل من رب العالمين، وأن هذا قرآن، وأن هذا دين جديد سيبدأ اسمه الإسلام، قبل هذا كله يقول له وبصيغة الأمر: اقرأ! ألا يحمل ذلك إشارة لأمة الإسلام؟ فهل يُعقل أن تكون أول كلمة في القرآن نزولاً إلى الأرض هي كلمة تتحدث عن هواية قد يحبها البعض، وينفر منها البعض أو يملّ منها البعض الآخر؟! فهذا مستحيل يا إخواني.
كلمات القرآن أكثر من سبعة وسبعين ألف كلمة، ومن بين كل هذه الكلمات الهائلة كانت كلمة اقرأ هي الأولى في النزول.
القرآن فيه آلاف الأوامر: ((أَقِمِ الصَّلاةَ))، ((وَآتُوا الزَّكَاةَ))، ((وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، ((وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ))، ((أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ))، ((تُوبُوا إِلَى اللَّهِ))، أوامر كثيرة جداً ومن بين كل هذه الأوامر نزل الأمر الأول: اقرأ.
وليس هذا فقط بل إن ا