والوسيلة السادسة التي تشمل كل ما سبق، وتبقى دافعةً لكل ما سبق من وسائل، وإن لم تُفعل فليس هناك نجاحٌ لأيٍ من الوسائل السابقة، وهي: إصلاح النفس والمجتمع.
لابد أن نسأل أنفسنا لماذا هذا التدهور لهذه الأمة الإسلامية التي تعودت أن تسود؟ ولماذا يسيطر 5.
2مليون يهودي على بلد مبارك مقدس كفلسطين, مخرجين ألسنتهم لمليار وثلث مليار مسلم في الأرض؟ ولماذا لا يكترث زعماء الشرق والغرب وزعماء اليهود بأعدادنا؟ ولماذا لا تتحرك الحمية في قلوب بعضنا وقد انتهكت الحرمات ودُنست المقدسات وسالت الدماء؟ لابد أن الأمة قد وقعت في خطأ فادحٍ مهّد الطريق لهذا الوضع، فأمة الإسلام لا تهزم بقوة الكافرين ولكن تهزم بضعفها، يلخص هذا الموقف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود: عن ثوبان رضي الله عنه، وفيه يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحداث وكأنه يراها رأي العين، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها - أي يدعو بعضها البعض ليأكلوا من أمة المسلمين - قال قائل: أو من قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنت يومئذ كثير - سبحان الله مليار وثلث مليار - ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
فموطن الداء حب الدنيا وكراهية الموت، وهو الخطأ الفادح الذي وقع فيه المسلمون، فمصيبة الأمة الآن هي تعاظم حب الدنيا في قلوب المسلمين، ومن أجل الدنيا يرضى المسلمون بالدنية في دينهم، ولو هانت عليهم الدنيا لقويت شوكتهم وعز سلطانهم.
إذا تعاظمت الدنيا في النفوس قلت قيمة الآخرة عند الإنسان، فالدنيا كانت سبباً مباشراً لاحتلال فلسطين، ولن تحرر فلسطين إلا إذا خرجت الدنيا من القلوب، قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء:77].
إن وجدت صراعًا بين الإخوة وتنافساً على أشياء كان من الواجب أن يتعاونوا عليها، وإن وجدت موالاة لكافر على حساب مؤمن، وخيانة لأمانة، ونقضاً لعهد، وحرباً لفضيلة، ونشراً لإباحية، وإنكاراً لمعروف، وتقديماً لأهل الرذيلة، وعلواً لأهل الفسق والفجور، وتأخيراً للعلماء والفضلاء، وسجناً وتعذيباً للدعاة والمجاهدين، ووجدت الحبيب يترك حبيبه، والولد يهمل والديه، والحاكم يظلم شعبه، والرجل يكره وطنه، والأجساد هامدة، والعقول خاملة، والعزائم فاترة، والغايات تافهةً منحطة منحدرة، إن وجدت كل هذا فاعلم إنها الدنيا، واعلم أن ذلك متبوع بهلكة، والهلكة متبوعةٌ باستبدال، قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].
روى الإمام مسلم: عن المستورد بن شداد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه - وأشار راوي الحديث إلى السبابة - في اليم فلينظر أحدكم بم يرجع)، فهذا هو حجم الدنيا.
من هذا المنطلق لحجم الدنيا والآخرة نريد أن نعيد ترتيب أوراقنا وتنظيم حياتنا وتعديل أهدافنا، وإصلاح أنفسنا ومجتمعاتنا، وأن نصطلح مع ربنا، فإنه يطول الفراق أحياناً بيننا وبين ربنا، وهو سبحانه لا تضره معصية ولا تنفعه طاعة، نحن الذين نخسر أو نفوز.
القضية -يا إخوة- ليست قضية فلسطين فقط، بل قضية الأمة بأسرها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، فهذه قاعدة لا تتبدل ولا تتغير.
والله والله والله! لن يتغير حالنا من ذلةٍ إلى عزة, ومن ضعف إلى قوة, ومن هوان إلى تمكين, إلا إذا اصطلحنا مع ربنا, وطبقنا شرعه, وأخرجنا الدنيا من قلوبنا, وتبنا من ذنوبنا, وعظمت الجنة في عقولنا، ساعتها ستصبح كل حركة وسكنة في حياتنا دعماً لقضية فلسطين، ومن هذا المنظور ستصبح صلاتنا في جماعة، وقراءتنا للقرآن، وذكرنا وصيامنا، وبر الوالدين، وصلة الرحم، ورعاية الجار، وحفظ الطريق، وعون الملهوف، وغض البصر، وحفظ الفرج، وصيانة اللسان، ووقاية السماع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس الخير ودعوة الآخرين إلى الفضيلة، ومحاربة الربا، ومقاطعة الرشوة، ونبذ الفرقة، وترك المحرمات، والبعد عن الشبهات دعماً لفلسطين، هكذا تتحول حياتنا كلها لدعم فلسطين وغير فلسطين من أقطار الإسلام الجريحة، يرفع الله عنا البلاء، ويكشف الضراء وتشرق الأرض بنور ربها.
إخواني في الله! لا يكفي الألم فقط لتحرير الشعوب، ولا تكفي الدموع، والأطفال يقتلون والمجاهدون يحاصرون، والأمهات يصرخن وينتحبن، فلابد من عمل.
وها قد عرضنا بعض الوسائل التي في مقدورنا جميعاً، لا تعتذر بأنك لا