الواجب الإيجابي الثالث نحو القضية هو التبرع بالمال.
فما أحوج أهل فلسطين للمال في هذه الأوقات! فهم في حصار اقتصادي رهيب، وطرد من الأعمال، وإغلاق للمعابر، وتجريف للأراضي، وهدم للديار، ونقص في الغذاء والدواء والكساء والسلاح، واستشهاد للشباب, وعائلات لا حصر لها تفقد عائلها.
فإن كنت تريد جهاداً في سبيل الله وقد حيل بينك وبينه, فأثبت صدقك لله بجهاد المال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جهّز غازياً فقد غزا)، فلا تسوف بل سارع، يقول تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، أول صفة لهم: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران:134].
وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:10 - 11].
فكّر يا أخي! جنيه واحد لفلسطين يساوي عند الله سبعمائة جنيه أو يزيد، وألف جنيه لفلسطين يساوي عند الله سبعمائة ألف جنيه أو يزيد، فلا تتردد، وكن على يقين أنك ستعوّض، قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة).
أخي في الله! اهزم الشيطان، يقول تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]، فهذه مقارنة في منتهى الوضوح.
فستمر الأيام, وستذهب أنت, ويذهب المال, ويذهب أهل فلسطين، ولا يبقى شيء إلا ما عند الله, فآثروا ما يبقى ويدوم, على ما يفنى وينعدم.
اجعل التبرع لفلسطين قضيةً ثابتةً في حياتك، اقتطع نسبة ثابتة من دخلك الشهري أو اليومي أو الموسمي، لا تنتظر حتى تتراكم الأموال فتكبر النسبة في عينيك فتمتنع عن الإنفاق، حفز الآخرين على التبرع، ربّ أولادك على الإنفاق وإن كان قليلاً، اشرح لهم بأسلوب مبسط أحوال أطفال فلسطين.
زكاة المال جائزة على أهل فلسطين بل هي محمودة؛ ففيهم الفقير والمسكين والغارم والمجاهد في سبيل الله.
لا تمن بعطيتك ولا تتكبر بها، ولا ترائي, ولا تستقللن تبرعًا, فرب درهمٍ سبق ألف درهم، واعلم أن الله عز وجل قسّم الأعمال بين عباده وكان نصيبك النصيب الأيسر، عليهم في فلسطين أن يدفعوا أرواحهم، وعليك أنت في بيتك الآمن أن تدفع مالك، فارض بما قسم الله لك من العمل، يرفع عنك من البلاء ما لا تطيق.