رابعاً: الذي يربي رمضان عليه الأمة: الإنفاق في سبيل الله.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)، فهل يمكن لأمة بخيلة شحيحة أن تمكن وتسود؟ أبداً، الجهاد يحتاج إلى إنفاق وإلى بذل وعطاء، والبناء يحتاج إلى إنفاق وإلى بذل وعطاء.
مدرسة الصيام تعلم الناس الإنفاق والعطاء وانتظار الأجر من رب العالمين، فنفس الصائم تسخو بالخير على غيره، هذه ظاهرة ملحوظة فعلاً، فسهل جداً على الصائم أن يعطي، فنحن نرى ونلاحظ ظاهرة إطعام الفقراء في رمضان كثيرة جداً ومنتشرة في كل مكان، الفقراء هم الفقراء والمتصدقون هم المتصدقون، ومعدل الإنفاق في سبيل الله يرتفع جداً في رمضان، فالله عز وجل يربي عباده على ذلك في هذا الشهر الكريم، ويحض الميسورين على إطعام المساكين وإفطار الصائمين، بل هناك ملحوظة عجيبة جداً وهي أن هذا التهذيب الرباني يمتد في رمضان ليشمل الغني والفقير، قد يفهم أن الغني هو الذي يعطي فقط، ولكن وجدنا أن الفقير يعطي أيضاً، فهذه بركات مدرسة الصوم، فقد فرض الله عز وجل على كل المسلمين غنيّهم وفقيرهم زكاة الفطر، زكاة الفطر يا إخوة مفروضة على كل المسلمين على الغني وعلى الفقير، وهكذا يشعر الفقير أنه فرد فعال في المجتمع له دور إيجابي بحسب قدرته، صحيح أن صدقة الفطر شيء يسير، لكنها تشعره بأن له القدرة على العطاء، وقد تدرب كل المسلمين في هذه المدرسة، وأثبت الفقراء في ذلك نجاحاً عظيماً، على سبيل المثال: في غزوة تبوك كان الجميع الغني والفقير ينفق في سبيل الله، حتى الفقراء الذين يمتلكون قليلاً من التمر كانوا يأتون بهذا القليل، كان الواحد منهم يأتي بالحفنة من التمر حتى سخر منهم المنافقون الذين لا يفقهون هذه المشاعر النبيلة، قال الله عز وجل في حقهم: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79].
إذاً: هذه تربية رمضانية عالية المستوى لا تتأتى إلا للصائمين.