من الأمور الإعدادية البنائية لصيام رمضان، يا ترى ما هو الذي سيعمله رمضان في إعداد الجيش المجاهد، أو في إعداد الأمة المجاهدة، أو في إعداد الأمة الرائدة؟ رمضان في تصوري سيفعل ثلاثة أشياء: تنقية، وتميز، وتربية، ماذا يعني هذا الكلام؟ أولاً: رمضان وتنقية الصف المسلم، رمضان سيعمل تنقية للصف المسلم، رمضان سيزيل الشوائب من الصف المسلم، كثير من الناس يتسمى بأسماء إسلامية ومحسوب على أمة الإسلام وهو لا يحمل همها، كثير من الناس أسلموا رغباً أو رهباً، أو ولدوا هكذا مسلمين ولم يكن لهم اختيار ولم يكن لهم رغبة حقيقية في الإسلام، والأمور في حالات السلم والرخاء قد لا تكون شديدة الوضوح، ولكن في وقت الجهاد والجد والحرب ولقاء الأعداء لا بد أن يكون الصف ثابتاً، ولا يثبت في أرض الجهاد إلا صادق الإيمان، لا بد من انتقاء المسلمين الصالحين للثبات وللجهاد، لا بد من انتقاء المسلمين الصالحين لدخول بدر الكبرى، وانتقاء الصالحين كذلك لدخول ما شابه بدراً الكبرى، الكل يقول: أنا مسلم ثابت؛ لكن أين الصادقون؟ وأين الكاذبون؟ لا بد من اختبار وامتحان، ورمضان هو اختبار هام يحدث خلاله وبعده تنقية للصف المسلم من الشوائب، الذي سيفشل في الامتحان لا تبن عليه حساباتك، الذي يثبت في رمضان سيثبت إن شاء الله في غيره، ولكي يكون الاختبار حقيقياً لا بد أن يكون صعباً، يا ترى ما هي صعوبة رمضان؟ صعوبة رمضان ترجع إلى أمور: منها: أنه فرض، وطبيعة الناس أنها تنفر من الفروض والتكليفات.
ومنها: أنه شهر كامل متصل، والأعذار فيه محدودة، وليس لك بديل إلا بعذر مقبول شرعاً.
قد يأتي رمضان في الحر، قد يأتي في وقت تزدحم فيه الأعمال عليك، قد يأتي في وقت تكثر فيه مشاغلك وهمومك، شهر كامل متصل محدد لا يصلح الذي قبله ولا الذي بعده بدلاً عنه، وأيضاً هو صعب؛ لأنه خروج عن المألوف، شهوة الطعام والشراب والجماع، هي شهوات مزروعة في داخل كل إنسان، في رمضان ستخرج خروجاً تاماً عن المألوف ستجوع ستعطش ستتعب ستنهك، ولكن يجب أن تصبر، وأصعب من كل ذلك أن تصوم صياماً حقيقياً كما أراد الله عز وجل، ليست المسألة في رمضان مسألة طعام وشراب وشهوة فقط، ولكن الأمر أكبر من ذلك، الاختبار أصعب من ذلك، على سبيل المثال: ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
وفي رواية أيضاً في البخاري وأبي داود وأحمد: (من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل)، أي: الجهل على الناس، أو صفات الجهل بصورة عامة: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
إذاً: لا بد أن تدرك أنك في رمضان ستدخل في اختبار صعب، إن نجحت فيه كنت مؤهلاً لحمل الأمانة ولبناء الأمة، وإن فشلت فليس لك مكان في الصرح العظيم، ليس من المعقول لفرد مسلم مؤمن يدخل في اختبار عظيم كاختبار رمضان أن يقضي الساعات الطوال أمام التلفاز مثلاً، أو في حل (الفوازير) في الجرائد والمجلات، أو حتى في الطعام والشراب الحلال في وقت الإفطار، ليس من المعقول أن يقضي المسلم الواعي الأوقات الطويلة في لعب الكوتشينة والطاولة وما شابه ذلك، بحجة أنه يسلي نفسه، ليس من المعقول أن يذهب الصائم إلى عمله متأخراً ويخرج منه مبكراً، ويقضي نصف نهاره نائماً، والسبب أنه صائم.
اعلم أخي المسلم! أن رمضان اختبار لتنقية صف المسلمين، من الذي يختبرك؟ إنه الله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67].
رمضان اختبار دقيق، فكل لحظة وكل ثانية هناك تقييم رباني أو تقويم رباني لأدائك في رمضان، يا ترى كم ستأخذ في المائة في امتحان رمضان؟ يا ترى لو أنت مستشعر فعلاً أن الله عز وجل يراقبك في امتحان رمضان ماذا ستفعل في رمضان؟ إذاً: ربنا ينقي الصف المؤمن الثابت في رمضان، فانتبه انتبه أن تكون من المطرودين، أو أن تكون مليئاً بالشوائب، فرمضان فرصة عظيمة لإثبات الوجود، فرصة عظيمة لبناء الأمة الإسلامية، وقد يقول شخص لي: أنت تقول: الأمة الإسلامية، الأمة الإسلامية، هل أنا الذي سأصنع الفارق مع بناء الأمة الإسلامية؟ أقول له: نعم يا أخي أنت الذي ستصنع الفارق، الأمة وإن كانت كلمة كبيرة إلا أنها مجموعة أفراد، الأمة هي أنا وأنت وأخي وأخوك وابني وابنك، وأختي وأختك، وبنتي وبنتك، هذه هي الأمة، وبعد ذلك لو لم يكن هناك أهمية لهذا لدى الأمة، فليكن له أهمية عندك أنت شخصيًا: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38].
إذاً: أول شيء نعرفه عن رمضان أنه اختبار دقيق يراقب الله عز وجل فيه أفعال العباد، فينتقي الصالحين ويطرد الفاسدين، و