كلمة أخيرة يا إخواني ويا أخواتي في الله: صلاة الفجر في جماعة للرجال، وفي أول وقتها للنساء، وهذه قضية محورية في حياة الأمة المسلمة، القضية ليست قضية صلاة ركعتين فقط، لا، القضية أكبر من ذلك بكثير، صلاة الفجر تضبط لك اليوم كله.
صلاة الفجر تحرك الكون كل الكون كما يريد ربنا سبحانه وتعالى.
صلاة الفجر تربط الناس بربها من أول اليوم إلى آخره.
صلاة الفجر تجعل الأمة كل الأمة في ذمة الله وفي ضمان ورعاية وحماية الله سائر اليوم.
في صلاة الفجر تقابلون صفوة المجتمع، انتبهوا أن تظنوا أن صفوة المجتمع هم أصحاب الجاه والسلطان والمال والشهرة لا، لا، لا، لا، صدقوني أن الصفوة الحقيقة هي التي تحافظ على صلاة الفجر في جماعة، في مجتمع كثر فيه الفساد تقابل الصالحين في صلاة الفجر، في مجتمع كثر فيه النفاق تقابل الصادقين في صلاة الفجر، في مجتمع كثرت فيه المعاصي والآثام والشرور تقابل الطائعين والتائبين في صلاة الفجر، أي فضل وأي منة من الله عز وجل؟! وأي صفوة من البشر أنت تقابل في صلاة الفجر؟! صلاة الفجر مقياس لمستوى الأمة وقيمتها، فالأمة التي تفرط في الفجر في جماعة أمة لا تستحق القيام، بل تستحق الاستبدال، وعلى الجانب الآخر الأمة التي تحرص على صلاة الفجر في جماعة أمة اقترب ميعاد تمكينها في الأرض.
وأخ لا يحافظ على صلاة الفجر في جماعة، ثم يتحدث مساءً عن التمكين في الأرض كيف يكون ذلك؟! {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]، وأي إفساد أعظم من تضييع فرض من فروض الله عز وجل، ومن تضييع حق من حقوق الله عز وجل، والإصرار على ذلك التضييع، وأول صفات الذين يمكنون في الأرض، كما أخبر تعالى بقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41]، إذاً: أول صفات الممكنين في الأرض: إقامة الصلاة، وإقامة الصلاة ليست نقراً كنقر الغراب وفي غير موعدها، إقامة الصلاة هي إقامتها بكل شروطها في أول وقتها، وفي المكان الذي أمر الله به في المسجد، وبكل خشوع وتضرع وابتهال وانكسار، والصلاة بهذه الصورة أداة من أدوات النصر.
كلكم تعرفون الكلمة التي قالها أحد المسئولين اليهود: من أنه لا يخاف من أمة الإسلام إلا في حالة واحدة، وهي أن يصل عدد من يصلون الفجر في جماعة كعدد الذين يصلون الجمعة في جماعة.
سواءً هذه الكلمة قالها فعلاً مسئول يهودي أو لم يقلها فالجملة صحيحة، أمة الإسلام بغير صلاة الفجر في جماعة أمة غير مرهوبة، احفظوها جيداً: لا يستقيم لأمة تطلب العزة والكرامة والنصرة أن تفرط في هذه الصلاة.
ملحوظة غريبة جداً وهامة لاحظتها في سورة الإسراء، وهي أنه لم يأت طلب النصرة إلا بعد الحديث عن الفجر، قال سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، والمقصود بقرآن الفجر: صلاة الفجر، وعبر عنها بالقرآن؛ لأن القراءة في الفجر تكون طويلة عادة، {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، وبعد ذلك الأمر الذي يليها: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]، إذاً: قبل الفجر قيام الليل، وبعد قيام الليل وتأدية صلاة الفجر أمرت أن تطلب النصر: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:80 - 81]، آيات عجيبة والله يا إخواني، سبحان الله! لا يأتي طلب السلطان النصير من الله عز وجل، ولا يأتي مجيء الحق وإزهاق الباطل وتمكين دين الله عز وجل في الأرض، لا يأتي كل ذلك إلا بعد إقامة الصلاة وبالذات صلاة الفجر: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78]، وبعد قيام الليل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79]، هذه هي أدوات النصر في الإسلام.
صلاح الدين الأيوبي رحمه الله اهتم أول ما اهتم بصلاة الفجر، وتحفيز الناس على صلاتهم في المسجد، الجيش الذي يصلي الفجر في جماعة هو الجيش الذي ينتصر على الصليبيين أو غيرهم من أعداء الأمة، وصلاح الدين يا إخواني لم يظل قائماً في الجامع ويترك إعداد الجيوش لا، لا، بل أخذ بكل الأسباب المادية المباحة من إعداد وتدريب وسلاح وخطة، وحشد للجنود، واختيار للتوقيت، وعقد الأحلاف، وتوحيد الصفوف، أخذ بكل الأسباب المادية، لكن في الوقت نفسه كان يعرف أنه لا يمكن أن ينتصر إلا إذا ك