بِأَنْ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَا أَخُوك فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ نَكَلَ) فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (ثَبَتَ الْحَقُّ) يَعْنِي الْإِرْثَ وَالنَّفَقَةَ وَالْحَجْرَ وَالْعِتْقَ وَامْتِنَاعَ الرُّجُوعِ (لَا النَّسَبُ إنْ كَانَ) أَيْ النَّسَبُ (نَسَبًا) لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ نَسَبًا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ (فَعَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ بَيَانُهُ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى وَإِقْرَارَ الْمَرْأَةِ يَصِحُّ بِالْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلَا يَصِحُّ بِالِابْنِ إذْ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَكَانَ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ فَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَلَمْ يَدَّعِ مَالًا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَثْبُتُ فَيُسْتَحْلَفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ
(يَحْلِفُ مُنْكِرُ الْقَوَدِ) يَعْنِي ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ قِصَاصًا فِي النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا فَأَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ إجْمَاعًا (فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ) لَمْ يُقْضَ بِقَتْلٍ وَلَا دِيَةٍ بَلْ (حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَفِيمَا دُونَهَا يُقْتَصُّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِيهِمَا وَلَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ النُّكُولَ وَإِنْ كَانَ إقْرَارًا عِنْدَهُمَا فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ تَوَرُّعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بَلْ يَكُونُ بَذْلًا وَإِذَا امْتَنَعَ الْقَوَدُ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَلَهُ أَنَّ الطَّرَفَ مَحَلُّ الْبَذْلِ فَيُسْتَوْفَى بِالنُّكُولِ كَالْمَالِ فَإِنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ كَالْمَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ (وَيَحْلِفُ فِي التَّعْزِيرِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ إذَا أَنْكَرَ فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إسْقَاطَهُ بِالْعَفْوِ وَلَا يَمْنَعُ الصِّغَرُ وُجُوبَهُ وَمَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إذَا أَمْكَنَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْهُ أَقَامَهُ وَلَوْ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَالِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ سَوَاءٌ كَانَتْ عُقُوبَةً أَوْ مَالًا (فَإِنْ نَكَلَ عُزِّرَ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَجَازَ أَنْ يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ
(قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي (لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ وَاسْتَحْلَفَ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ) قَيَّدَ بِالْمِصْرِ لِأَنَّهَا إذَا حَضَرَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَحْلِفُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَيَكْفُلُ بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِئَلَّا يَغِيبَ وَيَبْطُلَ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مَعْرُوفَ الدَّارِ لِتَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ فَلَا بُدَّ لِلتَّكْفِيلِ مِنْ قَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي وَشُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (فَإِنْ أَبَى) أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا (لَازَمَهُ) أَيْ دَارَ مَعَهُ حَيْثُ صَارَ حَتَّى لَا يَغِيبَ.
(وَ) لَازَمَ (الْغَرِيبَ) إنْ كَانَ الْخَصْمُ غَرِيبًا (وَلَا يَكْفُلُ) أَيْ الْغَرِيبُ (إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْمَجْلِسِ إضْرَارًا بِالْغَرِيبِ لِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ ظَاهِرًا.
(وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) دُونَ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قَالَ أَيْ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ) أَيْ لَا فِي الْمَجْلِسِ وَاسْتَحْلَفَ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجِيبُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُجْتَهَدًا فِيهَا فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي فَإِنْ رَأَى الْمَيْلَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُحَلِّفُهُ وَإِنْ رَأَى الْمَيْلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُحَلِّفُهُ اهـ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْمِصْرِ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ لَوْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مَعْرُوفَ الدَّارِ) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ لَا يُتَوَهَّمُ اخْتِفَاؤُهُ حَتَّى تَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْكَفِيلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَازَمَ الْغَرِيبَ) وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَكِيلًا بِخُصُومَتِهِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْطَاهُ وَكِيلًا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْوَكِيلِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْأَصِيلِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا وَلَوْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لِيُحْضِرَهَا وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ التَّغْيِيبُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ لِلنَّاطِقِ وَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْخَانِيَّةِ كَيْفِيَّةُ تَحْلِيفِ الْأَخْرَسِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إنْ كَانَ كَذَا فَيُشِيرُ بِنَعَمْ وَلَمْ يُحَلَّفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى إنَّهُ كَانَ كَذَا لِأَنَّهُ إذَا قَالَ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا لَا يَمِينًا اهـ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْغَرِيمُ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشَّاهِدَ كَاذِبٌ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا سِيَّمَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ