أَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَ الْمَالِ لَا الْقَطْعَ فَيُقَالُ لَهُ دَعْ ذِكْرَ السَّرِقَةِ وَادَّعِ تَنَاوُلَ مَالِكَ فَيَكُونُ لَك عَلَيْهِ يَمِينٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْحُدُودِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا وَقَالَ إنْ زَنَيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ زَنَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ لَا الزِّنَا
(وَلِعَانٍ) بِأَنَّ تَدَّعِي الْمَرْأَةُ الْقَذْفَ بِالزِّنَا وَوُجُوبَ اللِّعَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا كُلِّهَا إلَّا فِي الْحَدِّ وَاللِّعَانِ لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَافُ كَالْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَهَذَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَلِفِ ظُهُورُ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ وَالنُّكُولُ إقْرَارٌ لِأَنَّ الْحَلِفَ لَمَّا وَجَبَ فَتَرَكَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاذِلٌ أَوْ مُقِرٌّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَاذِلًا لِأَنَّ النُّكُولَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِ الْبَذْلَ فَيُجْعَلُ مُقِرًّا ضَرُورَةً وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ لِأَنَّهُ سُكُوتٌ فِي نَفْسِهِ وَالسُّكُوتُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَاللِّعَانُ حَدُّ الْأَزْوَاجِ فَأَشْبَهَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَنَا أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ وَإِبَاحَةٌ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَكَذَّبْنَاهُ فِي الْإِنْكَارِ وَلَوْ جُعِلَ بَذْلًا قَطَعَ الْخُصُومَةَ بِلَا تَكْذِيبٍ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِ عَنْ أَنْ يُظَنَّ بِهِ الْكَذِبُ وَهَذِهِ حُقُوقٌ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ فَلَا يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ قَالَتْ مَثَلًا لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَكِنِّي بَذَلْت نَفْسِي لَك لَمْ يَصِحَّ كَلَامُهَا وَكَذَا سَائِرُ الْأَمْثِلَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْإِبَاحَةَ بِالْإِذْنِ ابْتِدَاءً يُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَمَا لَا فَلَا قَالَ قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَقِيلَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ، أَخَذَ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي الْكَافِي
(وَحَلَّفَ السَّارِقَ وَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ يَدَّعِي الْمَالَ وَالْحَدَّ وَإِيجَابُ الْحَدِّ لَا يُجَامِعُهُ الشُّبْهَةُ بِخِلَافِ إيجَابِ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ كَمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَيَضْمَنُ الْمَالَ (كَذَا الزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَتْ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَاسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ (فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ مَهْرِهَا) عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الطَّلَاقِ اتِّفَاقًا خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَالَ (وَكَذَا النِّكَاحُ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ) لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمَالِ حَقِيقَةً فَيَثْبُتُ بِنُكُولِهِ الْمَالُ لَا النِّكَاحُ (وَ) كَذَا (النَّسَبُ إذَا ادَّعَى حَقًّا) يَعْنِي يَحْلِفُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا (كَإِرْثٍ وَنَفَقَةٍ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخُوهُ مَاتَ أَبُوهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِالْمَالِ وَالنَّفَقَةِ لَا النَّسَبِ
(وَحَجْرٍ فِي اللَّقِيطِ) بِأَنْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ الْتَقَطَهُ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ حُرَّةُ الْأَصْلِ أَنَّهُ أَخُوهَا تُرِيدُ قَصْرَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِمَالِهَا مِنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَهُ فَنَكَلَ يَثْبُتُ بِهِ لَهَا حَقُّ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ (وَعِتْقِ الْمِلْكِ) بِأَنْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى مَوْلَاهُ أَنَّهُ مُعْتَقٌ لِأَنَّهُ أَخُوهُ وَاسْتَحْلَفَهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِالْعِتْقِ لَا النَّسَبِ
(وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْحُدُودِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا. . . إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا فِي دَعْوَى الْقَذْفِ إذَا حَلَفَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَنَكَلَ يُقْضَى بِالْحَدِّ فِي ظَاهِرِ الْأَقَاوِيلِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْحُدُودِ لَا يُقْضَى فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَقِيلَ يَحْلِفُ وَيُقْضَى فِيهِ بِالتَّعْزِيرِ دُونَ الْحَدِّ كَمَا فِي السَّرِقَةِ يَحْلِفُ وَيُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَلَنَا) أَيْ الْقَائِلِينَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ قَالَ قَاضِي خَانْ إلَى كَذَا فِي الْكَافِي) نَصُّهُ قَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ.
وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّحْلِيفِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْمَالَ وَلَوْ قَصَدَ يَحْلِفُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَإِذَا ادَّعَى الْقَتْلَ خَطَأً حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ إلَّا إذَا عَرَّضَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْحُكْمِ بِاَللَّهِ لَيْسَ عَلَيْك الدِّيَةُ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِك وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي الدِّيَةِ فِي فَصْلِ الْخَطَأِ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً وَتَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.