حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» (لَا الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا (إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ) يَعْنِي جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا (لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يَقْضِي وَإِذَا قَضَى لَمْ يَنْفُذْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ (وَتُغَلَّظُ) أَيْ الْيَمِينُ (بِصِفَاتِهِ تَعَالَى) كَأَنْ يَقُولَ الْقَاضِي قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَلِلْمُحَلِّفِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا وَأَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ لَكِنَّهُ يَحْتَاطُ فَلَا يَذْكُرُ بِلَفْظِ الْوَاوِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إذْ اللَّازِمُ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَهُ أَنْ لَا يُغْلِظَ وَيَقُولَ بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ النُّكُولُ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ إذَا غَلَّظَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَيَتَجَاسَرُ إذَا لَمْ يُغَلِّظْ فَكَانَ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يُغْلِظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغْلِظُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ يُغْلِظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ لَا الْحَقِيرِ (لَا) أَيْ لَا يُغْلِظُ (بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُغْلِظُ بِهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ
(وَحَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالنَّصْرَانِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَالْمَجُوسِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) فَيُغْلِظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَعْتَقِدُ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ بِهِ لِيَكُونَ رَادِعًا لَهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ خَالِصًا تَفَادِيًا عَنْ تَشْرِيكِ الْغَيْرِ مَعَهُ فِي التَّعْظِيمِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِمَا فِي ذِكْرِ النَّارِ فِي الْيَمِينِ مِنْ تَعْظِيمِ النَّارِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْعِرُ بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَظِّمَ النَّارَ بِخِلَافِ التَّوْرَاةِ وَالْأَنْجِيلِ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ التَّعْظِيمِ (وَ) لَا يَحْلِفُ (الْوَثَنِيُّ) إلَّا (بِاَللَّهِ) إذْ الْكَفَرَةُ كُلُّهُمْ مَعَ افْتِرَاقِ نِحَلِهِمْ يُقِرُّونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَا يَحْلِفُونَ فِي مَعَابِدِهِمْ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهَا
(وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي سَبَبٍ يَرْتَفِعُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْغَصْبِ وَالتَّعْزِيرِ) وَبَيَّنَ التَّحْلِيفَ بِقَوْلِهِ (بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ أَوْ نِكَاحٌ قَائِمٌ الْآنَ أَوْ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآن أَوْ مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ الْآنَ أَوْ مَا يَجِبُ عَلَيْك حَقُّ التَّعْزِيرِ الْآنَ لَا) أَيْ لَا يَحْلِفُ (عَلَى السَّبَبِ) وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (مَا بِعْته وَنَحْوُهُ) أَيْ مَا نَكَحْتهَا وَمَا طَلَّقْتهَا وَمَا غَصَبْته وَمَا شَتَمْته الْأَصْلُ أَنَّ الدَّعْوَى إذَا وَقَعَتْ فِي سَبَبٍ يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَالْبَيْعِ وَنَظَائِرِهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ يَكُونُ عَلَى الْحَاصِلِ لَا عَلَى السَّبَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَالَ صَاحِبُهُ فِي الْكَافِي وَلَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِمَا رَوَيْنَا وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِالطَّلَاقِ اهـ.
وَرَأَيْت عَنْ النِّهَايَةِ ذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَرَامٌ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ.
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا وَأَجَازَهُ الْبَعْضُ وَبِهِ أَفْتَى الْإِمَامُ أَبُو عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بِسَمَرْقَنْدَ فَيُفْتِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ يَجُوزُ فَإِذَا بَالَغَ الْمُسْتَفْتِي فِي الْفَتْوَى يُفْتِي أَنَّ الرَّأْيَ لِلْقَاضِي اتِّبَاعًا لِهَؤُلَاءِ السَّلَفِ وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَالِ هَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مَذْكُورَةٌ آخِرَ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَهِيَ فِي الْوَاقِعَاتِ اهـ.
وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى مِنْ غَيْرِ السَّبَبِ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَإِنْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَحْتَاطُ فَلَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْوَاوِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) لَمْ يَقْصُرْهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا
(قَوْلُهُ وَحَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى مُصْحَفٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا التَّوْرَاةَ هَذَا أَوْ الْإِنْجِيلَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَحْرِيفُ بَعْضِهَا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَقَعَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحَرْفِ الْمُحَرَّفِ فَيَكُونُ التَّحْلِيفُ بِهِ تَعْظِيمًا لِمَا لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ
(قَوْلُهُ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى الْحَاصِلِ لَا عَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْكَافِي مَعَ ذِكْرِ بَقِيَّةِ أَمْثِلَةِ الْمَسَائِلِ ثُمَّ قَالَ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْلِفُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا بِأَنْ يَقُولَ أَيُّهَا الْقَاضِي قَدْ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ شَيْئًا ثُمَّ يُقَابِلُهُ فَحِينَئِذٍ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُفَوَّضُ إلَى رَأْي الْقَاضِي اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ