الْبَائِعُ مَعَ أَنَّ بَابَهُ أَضْيَقُ مِنْ الْكَفَالَةِ فَلَأَنْ يُتْرَكَ هُنَا وَبَابُهَا أَوْسَعُ لِأَنَّهَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ أَوْلَى وَإِذَا لَمْ يُوَافِ بِهِ حَتَّى لَزِمَهُ الْمَالُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْكَفَالَتَيْنِ.
(فَإِنْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ ضَمِنَ الْكَفِيلُ الْمَالَ) بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ (أَوْ) مَاتَ (الْكَفِيلُ فَوَارِثُهُ) أَيْ ضَمِنَ وَارِثُهُ (أَوْ) مَاتَ (الطَّالِبُ فَكَذَا) أَيْ طَلَبَ وَارِثُهُ
(ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ لَمْ يُبَيِّنْهَا) بِأَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ أَوْ أَشَرَفِيَّةٌ أَوْ إفْرِنْجِيَّةٌ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى (فَكَفَلَ بِنَفْسِهِ آخَرَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ صَحَّتَا) أَيْ الْكَفَالَتَانِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَمْ تَصِحَّا إذْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى بِلَا بَيَانٍ فَلَمْ يَجِبْ إحْضَارُ النَّفْسِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِهَا فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ لِابْتِنَائِهَا عَلَيْهَا، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْبَيَانِ فَإِذَا بَيَّنَ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الدَّعْوَى فَظَهَرَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ الْأُولَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ (وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْكَفِيلِ (فِي الْبَيَانِ) إذَا اخْتَلَفَا فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ
(لَا جَبْرَ عَلَى إعْطَاءِ كَفِيلٍ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) مُطْلَقًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَفِي الْقَوَدِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَهُ أَنَّ مَبْنِيَّ الْكُلِّ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ (وَلَوْ أَعْطَى جَازَ) لِإِمْكَانِ تَرَتُّبِ مُوجَبِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّفْسِ (وَلَا حَبْسَ فِيهِمَا) أَيْ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ (حَتَّى يَشْهَدَ مَسْتُورَانِ أَوْ عَدْلٌ) لِأَنَّ الْحَبْسَ هَاهُنَا لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ بِخِلَافِ الْحَبْسِ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ غَايَةُ عُقُوبَةٍ فِيهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ
(وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) أَيْ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ (فَتَصِحُّ وَلَوْ جُهِلَ الْمَكْفُولُ بِهِ إذَا صَحَّ دَيْنًا) الدَّيْنُ الصَّحِيحُ دَيْنٌ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَسَيَأْتِي (بِكَفَلْتُ عَنْهُ بِأَلْفٍ وَبِمَا لَك عَلَيْهِ وَبِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ) وَهَذَا يُسَمَّى ضَمَانُ الدَّرْكِ وَهُوَ ضَمَانُ الِاسْتِحْقَاقِ أَيْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ (وَبِمَا بَايَعْت فُلَانًا) أَيْ بَايَعْت مِنْهُ فَإِنِّي ضَامِنٌ لِثَمَنِهِ لَا مَا اشْتَرَيْته مِنْهُ فَإِنِّي ضَامِنٌ لِلْمَبِيعِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَبِيعِ لَا تَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ مَرَّ تَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ. (أَوْ مَا ذَابَ) أَيْ وَجَبَ (لَكَ عَلَيْهِ) وَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ شَرْطِيَّةٌ مَعْنَاهُ إنْ بَايَعْت فُلَانًا فَيَكُونُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ (أَوْ عُلِّقَتْ) عَطْفٌ عَلَى صَحَّ دَيْنًا (بِشَرْطٍ) يَعْنِي صَرِيحَ الشَّرْطِ وَإِلَّا فَفِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ (مُلَائِمٍ) أَيْ مُنَاسِبٍ لِلْكَفَالَةِ بِأَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ (نَحْوُ إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ) لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ نَحْوُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ مَاتَ الطَّالِبُ فَكَذَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِشَارَةَ رَاجِعَةٌ إلَى التَّضْمِينِ وَلَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَى وَارِثِ الطَّالِبِ وَلِذَا عَدَلَ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِ أَيْ طَلَبَ وَارِثُهُ وَلَا يُسَاعِدُ صَنِيعُ مَتْنِهِ
(قَوْلُهُ صَحَّتَا) أَيْ الْكَفَالَتَانِ عِنْدَهُمَا أَيْ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَمْ يَصِحَّا إذْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى أَيْ دَعْوَى الطَّالِبِ فَلَمْ يَجِبُ إحْضَارُ النَّفْسِ أَيْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَوْجِيهِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ مَا وَجَّهَهُ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا الْوَجْهُ يُوجِبُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ إذَا بَيَّنَ الْمَالَ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ أَنَّ الْكَفِيلَ عَلَّقَ مَالًا مُطْلَقًا بِحَظْرٍ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الَّتِي لَك عَلَيْهِ فَكَانَتْ هَذِهِ رِشْوَةً الْتَزَمَهَا الْكَفِيلُ لَهُ عِنْدَ الْمُوَافَاةِ بِهِ فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ وَإِنْ بَيَّنَهَا الْمُدَّعِي لِأَنَّ عَدَمَ النِّسْبَةِ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْبُطْلَانَ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ) لَيْسَ الْمُرَادُ جَبْرَهُ بِالْحَبْسِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ بَلْ أَمْرَهُ بِالْمُلَازَمَةِ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَ دَارِهِ اسْتَأْذَنَهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ دَخَلَ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مَنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ وَأَجْلَسَهُ فِي بَابِ الدَّارِ كَيْ لَا يَغِيبَ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْطَى جَازَ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَلَا حَبْسَ فِيهِمَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفَالَةِ
(قَوْلُهُ أَيْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ) الْمُشْتَرِي فَاعِلُ يَضْمَنُ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ الْكَفِيلَ وَلَكِنَّ الْكَفِيلَ كَفَالَةَ الدَّرَكِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ لَمْ يُؤَاخَذْ حَتَّى يُقْضَى بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى الْكَفِيلُ بِالدَّرَكِ يُؤَاخِذُهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ شَرْطِيَّةٌ) مَعْنَاهُ إنْ بَايَعْت فُلَانًا فَتَكُونُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ أَقُولُ لَكِنْ لَيْسَتْ مَا كَمِثْلِ إنْ فِي عَدَمِ الْعُمُومِ لِمَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَلِمَةُ مَا فِي مَا بَايَعْت فُلَانًا عَامَّةٌ لِأَنَّ حَرْفَ مَا يُوجِبُ الْعُمُومَ فَإِذَا لَمْ يُؤَقِّتْ فَذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ وَمَا بَايَعْت مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ يُخْرِجْ نَفْسَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لِوُجُودِ الْحَرْفِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْمِيمِ فِي كَلَامِهِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّقْدِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إذَا أَوْ مَتَى أَوْ إنْ إذْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَوَّلُ وَكُلَّمَا بِمَنْزِلَةِ مَا اهـ مُلَخَّصًا وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الطَّالِبِ فِي الْحَالِ لِمَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَأَنَا ضَامِنٌ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي الْحَالِ اهـ