يُضَمِّنُهُ الْمَالِكُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (كَذَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبًا وَفَوَّتَ بَعْضَهُ وَبَعْضَ نَفْعِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ كُلَّ قِيمَةِ ثَوْبِهِ وَكَانَ الثَّوْبُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ لِمَا ذَكَرَ، (وَلَوْ) فَوَّتَ (كُلَّهُ ضَمِنَ) أَيْ الْغَاصِبُ (كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الْقِيمَةِ (وَفِي) خَرْقٍ يَسِيرٍ (نَقَصَهُ بِلَا تَفْوِيتِ شَيْءٍ مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ) ، وَأَخَذَ رَبُّ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
(بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ غَرَسَ قُلِعَا) أَيْ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ (وَرُدَّتْ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُغْصَبُ حَقِيقَةً فَيَبْقَى فِيهَا حَقُّ الْمَالِكِ كَمَا كَانَ، وَالْغَاصِبُ جَعَلَهَا مَشْغُولَةً فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا كَمَا لَوْ شَغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ (وَلِمَالِكِهَا) أَيْ الْأَرْضِ (أَنْ يَضْمَنَ لَهُ) أَيْ لِلْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ (قِيمَتَهَا) أَيْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (إنْ نَقَصَتْ) أَيْ الْأَرْضُ (بِهِ) أَيْ بِالْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ وَبَيَّنَ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهَا بِقَوْلِهِ (فَتَقْوَى) أَيْ الْأَرْضُ (بِدُونِهِمَا) أَيْ بِدُونِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (وَمَا أَحَدُهُمَا) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ فَيَضْمَنُ الْفَضْلَ) فَإِنَّ قِيمَةَ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ الْمُسْتَحَقِّ الْقَلْعَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا فَقِيمَةُ الْمَقْلُوعِ إذَا نَقَصَتْ مِنْهَا أُجْرَةُ الْقَلْعِ كَانَ الْبَاقِي قِيمَةَ الشَّجَرِ الْمُسْتَحِقِّ الْقَلْعَ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ مِائَةً وَقِيمَةُ الشَّجَرِ الْمَقْلُوعِ عَشَرَةً، وَأُجْرَةُ الْقَلْعِ دِرْهَمًا بَقِيَ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ فَالْأَرْضُ مَعَ هَذَا الشَّجَرِ تُقَوَّمُ بِمِائَةٍ وَتِسْعَةِ دَرَاهِمَ فَيَضْمَنُ الْمَالِكُ التِّسْعَةَ (هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ، وَإِذَا عُكِسَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ فَيَأْخُذَهَا) أَيْ السَّاحَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (حَمَّرَ الثَّوْبَ) الَّذِي غَصَبَهُ (أَوْ صَفَّرَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ) الَّذِي غَصَبَهُ (بِسَمْنٍ) فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ (ضَمَّنَهُ) أَيْ الثَّوْبَ حَالَ كَوْنِهِ (أَبْيَضَ) يَعْنِي أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ (وَمِثْلُ سَوِيقِهِ) وَسَلَّمَهُ إلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ، (وَأَخَذَهُمَا) أَيْ الثَّوْبَ وَالسَّوِيقَ (وَضَمِنَ مَا زَادَ الصَّبْغَ وَالسَّمْنَ) ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالثَّوْبِ وَبِغَصْبِهِ وَصَبْغِهِ لَا يَسْقُطُ حُرْمَةُ مَالِهِ، وَيَجِبُ صِيَانَتُهَا مَا أَمْكَنَ وَذَا فِي مَعْنَى إيصَالِ مَالِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ وَإِبْقَاءِ حَقِّ الْآخَرِ فِي عَيْنَ مَالِهِ، وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا مِنْ التَّخْيِيرِ إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ، وَالْغَاصِبُ صَاحِبُ وَصْفٍ (وَإِنْ سَوَّدَ) أَيْ الْغَاصِبُ (ضَمَّنَهُ) أَيْ الْمَالِكُ (أَبْيَضَ أَوْ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ مِنْ أَجْرِ التَّسْوِيدِ) لِأَنَّهُ نَقْصٌ.
(فَصْلٌ) (غَيَّبَ) أَيْ الْغَاصِبُ (مَا غَصَبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ مِلْكًا (مُسْتَنِدًا) إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ تَعَدٍّ مَحْضٌ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مَشْرُوعًا، وَلَنَا أَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ بِكَمَالِهِ أَيْ رَقَبَةً وَيَدًا فَوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ الْمَغْصُوبُ عَنْ مِلْكِهِ لِئَلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَذَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبًا وَفَوَّتَ بَعْضَهُ وَبَعْضَ نَفْعِهِ) لَفْظُ الثَّوْبِ مُحْتَمَلٌ لِمَا يُلْبَسُ كَالْقَمِيصِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِمَا لَا يُلْبَسُ كَالْكِرْبَاسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ اكْتِفَاءً بِالصَّحِيحِ فِي مَعْرِفَةِ الْخَرْقِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ بَعْضُهُمْ قَالَ إنْ أَوْجَبَ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَهُوَ فَاحِشٌ وَإِنْ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ يَسِيرٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَوْجَبَ نُقْصَانَ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَهُوَ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْفَاحِشُ مَا لَا يَصْلُحُ لِثَوْبٍ مَا وَالْيَسِيرُ مَا يَصْلُحُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّحْدِيدِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ إنَّ الْخَرْقَ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ، وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ فَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَبَقِيَ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مِنْ الْخَرْقِ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَفُوتُ جَوْدَتُهُ وَيَدْخُلُ بِسَبَبِهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَالِيَّةِ اهـ لَكِنْ يَتَأَمَّلُ فِي تَفْسِيرِ فَوَاتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يَظْهَرُ بِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ اهـ بِقِرَاءَةٍ وَجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعَيْنُ فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ لَفْظَ بَعْضٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ وَفِي خَرْقٍ يَسِيرٍ. . . إلَخْ)
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ اهـ.
وَهَذَا إذَا قُطِعَ الثَّوْبُ قَمِيصًا، وَلَمْ يَخِطْهُ فَإِنْ خَاطَهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَنَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ.
(قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّقْيِيدُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا أَيْ التَّقْيِيدُ بِمَا ذَكَرَ أَقْرَبُ فِي مَسَائِلَ حُفِظَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةَ الْغَيْرِ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْغَاصِبُ صَاحِبُ وَصْفٍ) كَذَا الْخِيَارُ ثَابِتٌ لِصَاحِبِ السَّوِيقِ إذْ هُوَ أَصْلٌ وَالسِّمَنُ تَبَعٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَوَّدَ. . . إلَخْ) مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا هُوَ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ، وَهُوَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَالْمُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ) الِاسْتِنَادُ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَا يُمْلَكُ الْوَلَدُ